قد يظن البعض، الذين لم يدرسوا مشروعي الفكري، أنني ضد «القراءة المعاصرة للقرآن»، كيف ومشروعي الفكري يقوم أساسًا على تفعيل نصوص «الآية العقلية القرآنية» المعاصرة لنا اليوم، سلوكًا عمليًا في حياة المسلمين، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، مستعينين بكافة التخصصات العلمية.
ولكن السؤال:
أين هم المؤمنون الذين أسلموا وجوههم لله تعالى، وجعلوا بوصلة حياتهم «نحو إسلام الرسول»، دون الالتفات إلى أي جهة تجعلهم ينحرفون عن هذا الاتجاه، ولو لحظة؟!
إن الذي يشغل قلوب المفكرين الإسلاميين والتابعين لهم عبر عقود مضت، هو «التراث الديني» للفرقة التي ولدوا فيها، سواء كان ذلك بالإيمان به واتباعه، أو بالكفر به وعدم اتباعه!!
فإذا ذهبنا إلى الذين قالوا «القرآن وكفى» وجدناهم يُلحدون في أحكام القرآن، بدعوى أن القرآن تبيانٌ لكل شيء، وليس في حاجة إلى علوم اللغة العربية ولا إلى علم السياق ولا إلى منظومة التواصل المعرفي.
وإذا ذهبنا إلى الذين يظنّون أن بيني وبين «محمد شحرور» خصومة شخصية جعلتني أتصيد له الأخطاء، وجدناهم لا يعلمون شيئًا عن حقيقة مشروع «محمد شحرور» الديني، ولا عن حقيقة مشروع «محمد مشتهري» الديني!!
لقد أقام «محمد شحرور» قراءاته المعاصرة على أساس إنكار «الترادف» في القرآن، فإذا سألنا أحد المدافعين عن هذه القراءات عن معنى «الترادف»، وجدناه لا يعلم شيئا غير أن الكلمتين المختلفتين لكل كلمة منهما معنى مختلف عن الأخرى!!
والغريب أن هذه بديهة يعلمها طالب المرحلة التعليمية الابتدائية، ولا تحتاج إلى أن يرفع رايتها كل «ملحد» في أحكام القرآن بدعوى:
أن «الكتاب» غير «القرآن» غير «الفرقان» غير «النور»…، وأن جاء غير أتى غير آتى..، إلى آخر هذه «الفروق اللغوية» التي يضحكون بها على الغلابة «علميًا»!!
«حوار على الخاص»:
# الصديق:
السلام عليكم سيدي الكريم
سؤال بسيط: هل فهمت الفرق بين الكتاب والقرآن الذي طرحه الدكتور شحرور أم لا؟!
دعك سيدي من التعابير والمصطلحات المستعملة…. هل فهمت ما يقصده، ثم هل أنت مع ما قدمه في الفرق بينهما؟!
أنا شخصيا أرى ما قدمه في الفرق بين الكتاب والقرآن، وكذا دراسته في الفرق بين الاسلام والايمان …. أرى أنه على صواب «١٠٠٪» إلى إشعار وجوب حجة تدمغ ما يقوله في الموضوعين.
لكم مودتي.
# مشتهري:
هل اطلعت على عشرات المنشورات الموجودة على الصفحة التي تثبت تهافت كل قراءات شحرور المعاصرة؟!
# الصديق:
اطلعت عليها لكني أجد السيد شحرور في بعض دراسته كالتفريق بين الكتاب والقرآن، الشاهد والشهيد، الإنزال والتنزيل، الإسلام والايمان، العبيد والعباد …. أجد حجته بالغة جدًا.
ربما أتفق في بعض التاويلات والاجتهادات الفقهية.
لكني كأستاذ مغربي متواضع، بعدما كنت سلفيا لسنوات عديدة، وبدأت التحرر من خلال خطب عدنان ابراهيم، ثم كتابات حسن بن فرحان المالكي، وسامر اسلامبولي، وعدنان الرفاعي، وزكريا اوزون، وجورج طرابيشي، وعماد بابكر …. أجد نفسي أقول بالفم الملآن:
هناك قبل شحرور وبعد شحرور ولو بعد حين.
لكم مودتي سيدي.
# مشتهري:
دين الله يقوم على العلم، وعلى الحجة والبرهان، وقد حملت منشورات الصفحة العلم والحجة والبرهان، ولكنك لم تقرأها يقينا!
فلا تكون مقلدًا بغير علم، وهذا ما فهمته من تعليقك الأخير.
والسؤال:
هل عندما يقول الله إن من أسمائه الحسنى (الملك القدوس) فهل هناك ترادف بين الاسمين، أم لا يوجد ترادف؟!
# الصديق:
لا ترادف
# مشتهري:
يعني الملك شيء، والقدوس شيء؟!
# الصديق:
الملك هو الله، والقدوس هو الله، لكن الملك لها معنى مخالف لمعنى القدوس.
# مشتهري:
الآن جئت بالحق، إذن فهناك ترادف لأن الذات واحدة، وإنما الاختلاف في الصفات.
كذلك هو الكتاب والقرآن، مترادفان لأن الذات واحدة، وهي التزيل الحكيم، والاختلاف في الصفات، فالتنزيل المكتوب (كتاب)، والمقروء في كتاب الله وفي كتاب الكون (قرآن).
# الصديق:
نفترض أن كل المدينة تنعت وتعرف السيد مشتهري بأنه قوي وكريم، فهل قوي مرادفة لكريم؟!
# مشتهري:
نعم، لأن الذات واحدة، وهي مشتهري، والاختلاف جاء بسبب في اختلاف الصفات.
ولكن عندما تقول «محمد أسد»، فهنا لا ترادف بين الكلمتين، لأن ذات محمد غير ذات الأسد، ولكنهما اجتمعا في الصفات من باب المجاز، فقد شبهنا محمد بالأسد في قوته.
يجب على متدبر القرآن أن يكون على دراية بعلم البيان، وبالأساليب البلاغية التي نزل بها القرآن، لأن الله خاطب العرب بنفس اللغة التي كانوا يتحدثون بها قبل نزول القرآن.
وكان من بين هذه الأساليب البلاغية ما هو ترادف وما ليس بترادف، ولا يعلم الفرق إلا الدارس لعلوم اللغة العربية.
مع تحياتي
# الصديق:
سأبحث في الأمر أكثر، وأجيبك:
إما اعترافًا أو نقدًا!!
والآن:
* تعالوا ننظر ونتدبر كيف بدأ الحوار:
# الصديق:
أنا شخصيا أرى ما قدمه في الفرق بين الكتاب والقرآن، وكذا دراسته في الفرق بين الاسلام والايمان …. أرى أنه على صواب «١٠٠٪» إلى إشعار وجوب حجة تدمغ ما يقوله في الموضوعين.
* ثم كيف انتهى الحوار:
# الصديق:
سأبحث في الأمر أكثر، وأجيبك، إما اعترافًا أو نقدًا!!
وقد مر على هذا الحوار «٢٤ ساعة»، طبعا له عذره في التأخير.
ولكن الذي أريد أن ألفت النظر إليه، أن قوله إن «شحرور» على صواب «١٠٠٪» لم يكن على أساس علمي بنسبة «١٠٠٪»، الأمر الذي جعله يقول بعدها:
«إلى إشعار وجوب حجة تدمغ ما يقوله في الموضوعين»
وهذا معناه أنه رأى أمامه «حجة دامغة» هزت يقينه الـ «١٠٠٪»!!
والسؤال:
كم عدد الذين يؤمنون «من أتباع شحرور» بأن «الكتاب» غير «القرآن»؟!
ما سبق بيانه مجرد إشارة فقط إلى مسألة «الترادف» التي ستكون موضوع المنشور القادم.
محمد السعيد مشتهري