نحو إسلام الرسول

(110) 11/1/2014 (وما آتاكم الرسول فخذوه)

لقد ورد هذا المقطع في قوله تعالى من سورة الحشر:
مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [7]
فهل قوله تعالى: “وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا” أمر للمؤمنين، المعاصرين لرسول الله، بطاعته طاعة مطلقة، باعتباره القائم على تنفيذ شريعة الله بينهم، حسب ما بيّن سياق الآية، أم هو أمر لكافة المسلمين، باتباع ما نسبه إليه رواة الفرق والمذاهب المختلفة من [أحاديث] دُوّنت بعد وفاته بقرن ونصف القرن؟!
إن المتدبر لسياق الآية، يعلم أن الأمر بطاعة الرسول، أو النهي عن معصيته، قد سبقه حديث عن توزيع مال الفيء، وهو موضوع تحدثت عنه آيات أخرى، كما ورد في سورة الأنفال من حديث عن توزيع مال الغنيمة، وعن مصارفه.
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [41]
وهذه الآية، وآية سورة الحشر، يبيّنان مدى مسئولية رسول الله عن توزيع الغنائم، وكذلك الفيء، بصفته القائد الأعلى للجيش. ويبدو أن خلافا قد نشب بين صحابة رسول الله، بخصوص هذا التوزيع، فنزل الوحي القرآني يحسم هذا الخلاف، كما يبيّن ذلك سياق آيات سورة الحشر التالية:
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ [8]
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [9] الحشر
وكما هو ملاحظ، فإن جملة “مِمَّا أُوتُوا”، في هذه الآية، تشير بالدلالة القطعية إلى قوله تعالى، في الآية [7] من سورة الحشر: “وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ”، وهو ما يتعلق بتوزيع الفيء، ونهي الصحابة أن يتكلموا في هذا التوزيع. ولقد كان للمنافقين موقف من توزيع رسول الله للصدقات، فإذا رأوها تُوزّع على غيرهم طعنوا ولمزوا..، فيقول الله تعالى في سورة التوبة:
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ [أُعْطُوا] مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ [لَمْ يُعْطَوْا] مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [58] وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا [آتَاهُمْ] اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ [سَيُؤْتِينَا] اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ [59] التوبة
وتدبر العلاقة بين قوله تعالى: “وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ”، وقوله في هذه الآية: “مَا “آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ”. لا شك أن إيتاء الله هو عين إيتاء الرسول، فالله تعالى هو المشرع، ورسوله هو القائم على تفعيل شريعة الله بين الناس.
يقول “المذهبيّون”، أنصار “الفُرقة والتخاصم”: إن “العبرة بعموم السبب، لا بخصوصه”، أي وإن كان سياق الآيات يتحدث عن توزيع الفيء، إلا أن الحكم المستنبط منها حكم عام، بوجوب طاعة الرسول في كل ما أمرنا به، ونهانا عنه!!
أقول: نعم، ولا خلاف معكم في هذه المسألة الإيمانية، التي لا ينكرها مسلم، ولكن السؤال: ما الذي حمله “الرسول” أصلا للناس، أمره ربه ألا يتعدى حدوده، سواء بالأمر أو النهي؟!! إن كل سياق قرآني، وردت فيه كلمة “الرسول”، فهذا يعني أنه يتحدث عن “الرسالة” التي حملها “الرسول” للناس، ولا يحل له أن يتعدي حدود نصوصها.
إن استقطاع جزء من سياق الآية، وهو: “وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا”، ثم من سياق الآيات بعدها…، ثم من سياق آيات سور أخرى…، عمل لا يرضي الله ولا يرضي رسوله، هذا الرسول الكريم الذي يدّعي “المذهبيّون” أنهم يتمسكون بسنته، ويدافعون عنها، بل وأقول: إنها لكبيرة أن يفتروا على الله ورسوله الكذب وهم يعلمون!!
* “فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ”.

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى