عندما وقفت على إشكاليات فرقة أهل السنة، وكان ذلك في أوائل الثمانينيات، وجدت أنه يجب دراسة «التراث الديني» لأكبر الفرق الإسلامية الأخرى، لعلي أجد «الحق» عند فرقة من هذه الفرق فاتبعها.
وعندما وجدت أن إشكاليات الفرق واحدة، من حيث الأصول التي انطلقت منها، اعتزلت كل هذه الفرق، وألقيت بملفاتها في المحيط الهندي، حتى لا تعود إليّ مرة أخرى.
لقد أصبح ذهني خاليًا تمامًا من أي شيء يتعلق بهذه الفرق.
وقبل أن أقترب من دراسة وتدبر القرآن، كان عليّ أن أستنبط من ذات القرآن، الأدوات التي سأدرس بها آياته، فوجدتها خمس.
وعندما درست القراءات المعاصرة لـ «د.م. محمد شحرور» وجدته انطلق من «إشكاليات» وجدها في تراث فرقة أهل السنة والجماعة، وظل داخل فرقته لم يخرج منها إلى يومنا هذا!!
وعندما جلس يتحاور مع «عقله الرياضي الهندسي» حول كيفية علاج إشكاليات فرقته بقراءة جديدة للقرآن، وجد أن أول الطريق أن يقوم بتأليف «مصطلحات» يقيم على أساسها هذه القراءة الجديدة التي سَمّاها «القراءة المعاصرة».
أولًا:
يقول: إنه لا ترادف في القرآن، وأننا لو أسقطنا الترادف في اللغة العربية يسقط الفقه الإسلامي كله.
١- هنا خطأ علمي منهجي في استخدامه كلمة «الإسلامي»، ذلك أن كل فرقة من الفرق الإسلامية تقول إن فكرها «إسلامي»!!
لذلك كان على «شحرور» أن يستخدم في قراءاته المعاصرة للقرآن مصطلحًا يُعبر عن القاعدة التي انطلقت منها هذه القراءات وهي قاعدة «فرقة أهل السنة والجماعة».
٢- ومن منطلق مذهبه في إنكار «الترادف في القرآن»، كان من الطبيعي أن يرى أن كلمة «الكتاب» غير كلمة «القرآن»، وأنه يكون بذلك قد اكتشف اكتشافًا علميًا غير مسبوق في العالمين!!
يقول: لقد تبين لي أن «الكتاب» غير «القرآن»!!
٣- وهنا مسألة «لغوية» يجب الوقوف عندها، وهي كلمة «غير»، التي استخدمها «شحرور» بين الكلمتين.
إن كلمة «غير» لا تُفهم إلا إذا وقعت بين متضادين.
(أ) فعندما نقرأ سورة الفاتحة ونقول:
* «الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ( غَيْرِ ) الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ»
فنحن نفصل بكلمة «غير» بين متضادين هما:
الذين أنعم الله عليهم، والذين غضب الله عليهم.
ويستحيل أن نجد إنسانًا يستطيع أن يجمع بين النعمة والضلال في نفس الوقت!!
(ب) وكذلك عندما نقرأ قوله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ – أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ – إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ
( غَيْرَ ) مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ»
نجد أننا أمام الانتفاع ببهيمة الأنعام، وهو «حلال» بوجه عام، وبين حرمة «الصَّيْدِ» خلال فترة الإحرام بالحج أو العمرة.
أي أن كلمة «غير» فصلت بين متضادين.
والسؤال:
إذن فكيف نضع «غير» بين الكتاب والقرآن، ونقول:
إن «الكتاب» غير «القرآن»
أي إن الكتاب والقرآن متضادان، ثم نقول للناس:
عليكم الإيمان بأن «كتاب الله» هو الآيات التي بين دفتي المصحف، وفي نفس الوقت عليك أن تؤمنوا أن من بين هذه الآيات آيات ليست من «الكتاب» وإنما من «القرآن»، والاثنان يحملهما مصحف واحد؟!
فهل يمكن أن نُصدّق أن هناك عاقل واحد من بين أتباع «شحرور» يقبل هذا «الهراء» الذي أقام عليه «شحرور» جميع قراءاته المعاصرة؟!
٤- ويقول: «تَبيّن لي أن الفرقان ثلاث آيات فقط، هو «الوصايا العشر»، وأن «الذكر» هو الصيغة الصوتية للمصحف.
أقول:
هناك سورة كاملة اسمها «سورة الفرقان»، تبدأ بقوله تعالى:
«تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً»
فهل كان رسول الله ينذر العالمين بـ «ثلاث آيات» فقط؟!
وهل يمكن اعتبار «محطة إذاعة القرآن الكريم» هي «الذكر»؟!
ثانيًا:
ويقول: لقد ختم محمد بن عبد الله التشريع الإلهي بختم المحرمات.
ثم قال: «لا يحق لأهل الأرض تحريم التدخين»، لأن «التحريم» يحتاج إلى «توبة»، فقد أصبح خطيئة.
# والمحرمات في القرآن «أربعة عشر» فقط!!
ولقد قمت ببيان تهافت هذه البدعة «الشحرورية» في أكثر من منشور، ومنها منشور «٤-٤-٢٠١٨» بعنوان:
«قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ»
ثالثًا:
ويقول: محمد ابن عبد الله ختم «عصر الأحادية»، وبدأ عصر «المجتمعات التعددية».
ثم أعطى للحضور ما يُريح قلوبهم، فقال:
وأقر بمرسوم إلهي «تعدد الملل»، فقال تعالى:
* «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»
ولقد قمت ببيان الفهم الواعي لهذه الآية «الحج ١٧»، وكذلك للآيتين «البقرة ٦٢، المائدة ٦٩» في عشرات المنشورات.
١- إن من لم يؤمن من أهل الأرض جميعًا برسول الله محمد، ولم يتبع رسالته، ومات على هذا الحال، مات كافرًا بالله وبرسوله.
والبراهين الدالة على ذلك نُشرت عدة مرات على هذه الصفحة.
٢- أما إذا كان يقصد بـ «تعددية الملل» حرية كل ملة في الاعتقاد، فهذه مسألة لا تحتاج إلى بيان، فكل مؤمن متدبر للقرآن يعلم ذلك، وأنه يحرم عليه التعرض لأصحاب هذه الملل بأي أذى.
ولكن هناك أحكام قرآنية تَحْكم العلاقة بين «الذين آمنوا» برسول الله محمد، و«الذين كفروا» به، ويستحيل أن نعطيها ظهورنا.
ومن هذه الأحكام تحريم الزواج بين المؤمنين بمحمد والكافرين به.
رابعًا:
ثم يتهم «شحرور» الرسل جميعًا، قبل محمد، بعدم اعترافهم بـ «التعددية»، وهذا يعني أنهم كانوا يحاربون من لم يتبعوا مِلّتهم!!
يقول: «الاعتراف بالتعددية لم يأت إلى رسول قبل محمد»، ثم يزيد «الطين بلة» ويقول:
إن كلمة «قرية» في القرآن تأتي في سياق «الذم»، لأنها تُعبّر عن «المجتمع الأحادي» الذي لا يقبل الآخر!!
١- ويتهم رسول الله محمد بأنه حارب «أهل القرى» لأنها كانت «مجتمعات أحادية»، فيقول:
ورب العالمين سمح لرسول الله أن يحارب الأحادية.
ألم تحاربوا هتلر، لأنه نظام أحادي؟!
٢- ويستدل على هذا بآية «الحشر/ ٦» التي لا علاقة لها مطلقا بهذه «المصيبة العقدية»، وهي قوله تعالى:
* «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى»
إنه لا يعلم أن هذه الآية قد سبقها قوله تعالى:
* «وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ..»
وأن هذه الآية تشهد أن هذا «الفيء» حصل عليه الرسول من «غير معركة أو قتال»!!
ثم بيّن الله بعدها للرسول «الآية ٦» كيف يُوزع هذا الفيء.
خامسًا:
ويبدو أن «شحرور» لا يعلم أن رسول الله بعد أن هاجر إلى «المدينة» عاد مرة أخرى إلى «مكة» «أم القرى»، وعاش فيها، وصلى في «المسجد الحرام»، أي ظلت «أحادية» على حد تعبيره!!
فتدبر ماذا قال:
١- عندما يذكر الله «التعددية» يقول «المدينة»، وسُمّيت مكة «أم القرى» لأنها أقدم «أحادية» في التاريخ، ولا تصلح لتكون «مدينة» فتركها رسول الله إلى يثرب وسمّاها «المدينة».
٢- ثم يتهم الرسول بأنه استخدم «العنف» فيقول:
عندما توفي الرسول كان أسس الدولة «واستعمل العنف»، ليقول لنا أن نشوء الدول وانهيارها يصاحبه العنف!!
طبعا لا تعليق!!
سادسًا:
الرد على الأسئلة:
ينطلق «شحرور» من قاعدة إرضاء الملل كلها، ولو كان ذلك على حساب هدم ملة «الوحدانية» التي نزل القرآن لبيان حقيقتها، وأنها لا تنفصل عن «النبوات»، ووجوب اتباع أهل الأرض للنبي الخاتم محمد.
١- إن الآيات الدالة على كفر كل من لم يتبع النبي الخاتم كثيرة، ولكن «شحرور» خَلَطَ بين الآيات التي تتعلق بـ «مشيئة الله»، وأنه لا إكراه في الدين:
* «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ»
والآيات التي أمر الله فيها الناس جميعًا بالإيمان بالنبي الخاتم واتباع رسالته:
* «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً»
٢- والمتدبر لسياق هذه الآية، والآيات التي تحدثت عن موضوعها، يعلم أن كلمة
«الناس» لا تعني قوم النبي، وإنما تعني الشعوب والقبائل إلى يوم الدين، فتدبر:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ …»
وتدبر قوله تعالى:
* «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ»
فهل كان الخطاب لـ «أهل الكتاب» المعاصرين للنبي فقط، أم كان لهم إلى يوم الدين؟!
٣- ثم انظروا ماذا قال بعد ذلك:
لو كان أتباع محمد ٩٠٪ لأغلقوا الكنائس كلها والمعابد!!
إنه ينطلق في هذا الادعاء من قاعدة تراث فرقة «أهل السنة والجماعة» وليس من القاعدة القرآنية!!
إن المؤمن الذي أسلم وجهه لله، واتبع أحكام القرآن، يستحيل أن يقترب من أي مكان يعبد فيه أتباع أي ملة من الملل إلههم، لأن الله يقول في سياق الأمر بالمحافظة على أماكن عبادات هذه الملل:
* «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ:
* «لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً»
* «وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»
سابعًا:
ثم يأتي بالفضيحة التي يقع فيها متدبر للقرآن أبدًا، وهي أن «ملك اليمين» مازال موجودًا ولكن بين الأحرار!!
١- فيقول: ملك اليمين: عقد بين أحرار، وليس «ميثاق زوجية»، وفَرّق بين الاثنين بأن الأول يُشترط فيه «الصداق»، أما الثاني يشترط فيه «الأجر»!!
٢- ويستند إلى «رواية سنية»، ويؤكد صحتها بقوله:
«فيه ناس كتير احتجوا، فقلت لهم لماذا لم تنتبهوا إلى كلمة «توافقا»..، وإنها صحيحة إلى اليوم؟!
ولقد قمت بالرد على هذه «البدعة» في أكثر من منشور، ولكن الجديد في هذا الفيديو، قوله: إنه لا يوجد في المصحف شيء اسمه «ابن زنى»!!
٣- فعندما سأله أحد الحضور عن الآية «الزانية والزاني» تهرب من الإجابة، لأنه يرى أن العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة «غير متزوجة»، باتفاق الطرفين، ليست «زنا»!!
وإن نتج عنها «مولود» لا يُسمى «ابن زنى»!!
ثامنًا:
وعند تعريفه للفواحش قال:
١- «الزنا»: هو «الجنس العلني» ولو كان مع زوج الرجل، وهنا يتدخل المجتمع لوجود «شهود».
٢- «السفاح» وهو الجنس الجماعي.
٣- نكاح المتزوجة.
٤- نكاح المحارم.
٥- نكاح امرأة الأب.
٦- المثلية الجنسية «اتخاذ الأخدان»
ثم قال: وما عدا ذلك فـ «حلال»!!
والسؤال:
لماذا قبلت العقول التي تعيش في أوربا «الحضور» ما قيل في هذه المحاضرة، وصفّقوا لها، وحتى الفيديو بعنوان:
«محاضرة جديدة في غاية الروعة للدكتور محمد شحرور في باريس»؟!
ومن وراء نشر وتدعيم «القراءات الإلحادية» للقرآن؟!
محمد السعيد مشتهري