عتبر البعض أن ما أقوم به من نهي عن منكرات القراءات الإلحادية للقرآن يعكس شخصيتي، و«تفكيري السلبي» الذي يهدف إلى هدم آراء الآخرين ليبقى رأيي هو الصحيح.
وإن كانت هذه المقولة صحيحة بمنطق التنمية البشرية والطاقات الإيجابية..، إلى آخر العلوم التي تعمل على تخفيف الأعباء النفسية عن الإنسان، حتى لا يقع أسيرًا في يد الاكتئاب.
فإنها، ومن منطق المؤمن، الذي أسلم وجهه لله وهو محسن، غير صحيحة، ذلك أن إيمان المرء لا يصح إلا إذا لَبس قلبه لباس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويظل على هذا الحال حتى يتوفاه الله.
# إن «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» أصل من أصول الإيمان، ولذلك يستحيل أن يرى المؤمن منكرًا في أي مكان ولا ينهى عنه.
إن «المؤمن» الذي لا ينهى عن المنكر يكون مشاركًا في أن يصبح المُنكر معروفًا، ويصبح المسلمون يعيشون المنكرات وهم يقولون في صلاتهم «الله أكبر»!!
أولًا:
وهذا يقتضي أن يكون المسلمون قد دخلوا الإسلام من «بابه الصحيح»، قبل القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
# إن ما يفعله المسلمون اليوم أنهم يأمرون بـ «دين الفرقة» التي ولدوا فيها، باعتباره هو «المعروف»، وينهون عن إشكاليات «تراث الفرقة» التي ولدوا فيها، باعتباره هو «المنكر».
فتدبر:
* «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»
ثانيًا:
وهذا يقتضي أن يكون المسلمون الذين أخلصوا دينهم لله على علم بأحكام القرآن، حتى لا يخرج عليهم من يحل لهم المنكرات، فإذا بهم يقولون له «سمعنا وأطعنا»!!
# فهل فكّرت يومًا أن تبحث عن صحة ما قرأته أو ما سمعته، قبل أن تنقله للآخرين من منطلق أنك قد تموت فورا بعد هذا النقل، فإذا بك تجد نفسك في جهنم متهمًا بالإصرار على نشر وإشاعة المنكرات؟!
تدبر:
* «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ» – «فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ»
ثالثًا:
وهذا يقتضي أن يكون المسلمون الذين أخلصوا دينهم لله على علم بفعالية آيات الآفاق والأنفس في هذا الوجود، لأنه البرهان على أن القرآن الذي بين أيدي الناس اليوم هو الحق:
تدبر:
* «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»
# ولاحظ أنك لم تكن شيئًا مذكورا، فحملتك أمك، ثم ولدتك، وجئت الى هذا العالم، فهل تعلم لماذا؟!
إن «الناموسة»، أو «الذبابة»..، قد تجعلك لا تهنأ على تفكير أو على نوم، فهل تعلم شيئًا عن مكوناتها، وكيف تحقق أهدافها؟!
صحيح هناك مُتخصّصون، ولكن يجب أن يكون «المؤمن» على علم ببعض ما يتوصل إليه المتخصصون، على الأقل ليستطيع أن يُبيّن للناس معنى هذه الآية:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ»
* «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ»
* «لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ»
* «وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ»
* «ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ»
وإن من حكمة التنزيل، وإحكام السياق، وبلاغة النص، أن تأتي بعدها هذه الآية:
* «مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»
فأين البرهان على أن المسلمين «قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»
رابعًا:
وهذا يقتضي أن يكون المسلمون الذين أخلصوا دينهم لله يعيشون وفق أجندة عمل يومية، يحسبون المدخلات والمخرجات في نهاية كل يوم.
# فلو تخيلنا أن المسلمين كانوا يفعلون ذلك منذ قرون، فلا شك أنهم سيجدون حساباتهم جميعًا خاسرة، سواء بميزان «التفرق في الدين»، أو بميزان «التقدم الحضاري»، أو بميزان:
تدبر:
* «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»
فهل تعلم:
لماذا لم يُغيّر المسلمون من أنفسهم، ولم يخلعوا ثوب «التفرق في الدين»، ولم يعيدوا دخولهم «دين الإسلام» من بابه الصحيح؟!
# لأن الشيطان يريد منهم أن يكونوا على هذا لحال!!
وهل تعلم:
لماذا عندما خلعوا ثوب «المذهبية»، وثوب تراثهم آبائهم الديني، ظلوا تابعين للفرق التي ولدوا فيها، ولم يخلوا الثوب كاملا؟!
# لأن الشيطان يريد منهم أن يكونوا على هذا لحال!!
خامسًا:
وهذا يقتضي أن يكون المسلمون، الذين أخلصوا دينهم لله، يعلمون أن العمر يمضي، ولن يعود.
فإذا كان ما مضى لن يؤهلك لدخول الجنة، إذن فأهّل نفسك من الآن، واخلع الثوب كاملًا وأنت نسأل نفسك:
لماذا ألتفت إلى تراث المقبورين، وانشغل بتنقيته وتجديده، وقد ماتوا، ومات معهم تراثهم، فبأي منطق أُخرج للناس رائحته؟!
وأنا قد أجد نفسي في لحظة في الآخرة، في يوم الحساب، وتركت كل ما أملك لمن لا يعلم إلا الله ماذا سيفعلون به، وأنا هنا في الآخرة الذي سيدفع «الحساب»!!
# نعم، فقد كانت مدخلات ومخرجات أجندتك غير صحيحة!!
وتدبر:
* «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ»
واحذر:
أن تجد نفسك في الآخرة وأنت على «دين فرقة» أو وأنت «تُدخّن سيجارة»، لأنك بذلك تكون قد اتبعت الشيطان، ومصير أتباع الشيطان معروف:
* «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً»
* «إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ»
أيها المسلمون:
لماذا ترفعون «الراية البيضاء» للشيطان؟!
سادسًا:
وهذا يقتضي أن يكون المسلمون، الذين أخلصوا دينهم لله، على علم بأن «الحق» يُعرف بـ «العلم»، وليس بـ «الأكثرية»!!
* «وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ»
* «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ»
* «وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ»
وميزان «العلم» هو:
* «قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ»
إن حياة الإنسان حسب ما تعود عليه، والذي يصبح عادة بالنسبة للإنسان الغافل عن فلسفة «خطوات الشيطان» التي عن طريقها يجعل له المنكر معروفًا، والحرام حلالاً!!
# ومن منطلق «الأكثرية» يصعب أن تُقنع «الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا» أنهم يتبعون الشيطانَ!!
ومن منطلق «الأكثرية» يصعب أن تُقنع «المُدخنين» أنهم يتبعون الشيطان!!
وتدبر:
* «وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»
# قد يخاف طالب «الطب» من حضور أول درس تشريح لجثة ميت، ولكن بعد التعود على ذلك تصبح رؤية الجثث وتشريحها أمرًا عاديًا ومألوفًا.
وكذلك هي حياة الناس، عندما تألف شيئًا، في مناحي مختلفة من حياتهم، حيث تصبح «الأكثرية» هي الغالبة!!
فبعد أن يصبح الفقير غنيًا، ينظر إلى كثرة الأغنياء، وينسى فقره!!
والذي شفاه الله ينظر إلى الأصحاء وينسى مرضه!!
و«المسلمون» نسوا أزمة تفرقهم في الدين، لأنهم الأكثرية!!
و«المُدخّنون» نسوا أول سيجارة، لأنهم الأكثرية!!
والحقيقة أن الذي يقتضيه «إسلام» المؤمن أن يكون «مؤمنا» حقًا.
محمد السعيد مشتهري