«الفرق» بين الكتاب والقرآن «مثالًا»
في كتابه «الكتاب والقرآن/ ثانيا الذكر، عند قوله تعالى في سورة البقرة:
* «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ»
يقول «محمد شحرور»:
«بما أن الفرقان جاء معطوفًا على القرآن، نستنتج من ذلك أن الفرقان غير القرآن»!!
أولَا:
١- بصرف النظر عن أن كلمة «فرقان» ليست معطوفة على «القرآن»، لأنها مجرورة بالكسرة لعطفها على «الهدى»، وكلمة «القرآن» مرفوعة بالضمة.
٢- وبصرف النظر عن غياب التباين بين اسم «الذات»، واسم «الصفة»، عن صاحب القراءات المعاصرة، وأنه لا يُقال عن هذا «ترادف».
٣- وبصرف النظر عن أن الكتاب، والقرآن، والفرقان، والميزان..، كلها «صفات» لموصوف واحد هو «كلام الله»، فكيف يكون «القرآن» بعض آيات «الكتاب»؟!
٤- وبصرف النظر عن أن إثبات تعدد الصفات، لا يلزم منه إثبات تعدد ذوات الموصوفين، فعندما طلب الله من المنافقين تدبر القرآن:
«أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»
فهل طلب منهم تدبر الآيات المنزلة كلها، أم بعضها؟!
ثانيًا:
بصرف النظر عن كل ما سبق، فإن «ابن فارس» في معجم «مقاييس اللغة»
يتعامل مع «القرآن» باعتباره «الكتاب» الجامع لآيات الذكر الحكيم، كلها وليس بعضها، كما يدعي «شحرور»!!
عندما نقوم بالبحث عن كلمة «قرآن» في معجم «مقاييس اللغة» تجد أن «ابن فارس» استخدم في معجمه كلمة القرآن بمعنى الكتاب، وبمعنى الفرقان، ولم يُفرق!!
وبذلك يكون «ابن فارس» قد أثبت «الترادف» الذي ينكره «شحرور»، فيقول على سبيل المثال:
١- عند مادة «بثّ»:
«الباء والثاء أصلٌ واحد، وهو تفريق الشيء وإظهاره..، وفي القرآن وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ».
٢- وعند مادة «بسق»:
«الباء والسين والقاف أصلٌ واحد..، وفي القرآن والنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ».
٣- وعند مادة «خسأ»:
«الخاء والسين والهمزة يدلُّ على الإبعاد، يقال خَسَأْتُ الكلبَ، وفي القرآن قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ».
٤- وعند مادة «هود»:
«الهاء والواو والدال أصلٌ يدلُّ على إرْوادٍ وسُكون..، وفي القرآن إنَّا هُدْنا إلَيْكَ».
٥- وعند مادة «عقب»:
«العين والقاف والباء أصلانِ صحيحان..، وفي القرآن وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ».
٦- وعند مادة «عبث»:
«العين والباء والثاء أصلٌ صحيح واحد..، ومما قيسَ على هذا العَبَثُ هو الفعل لا يُفَعل على استواء وخُلوصِ صواب..، وفي القرآن أفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْناكُمْ عَبَثاً».
٧- في مادة «فرق»:
«الفاء والراء والقاف أُصَيلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمييز وتزييلٍ بين شيئين، من ذلك الفَرْق، فرق الشعر، يقال فرَقْتُه فَرَقاً، والفُرْقانُ كتاب الله تعالى، فَرَقَ به بين الحقِّ والباطل».
٨- وفي مادة «أمّ»:
«وأمّا الهمزة والميم فأصلٌ واحدٌ، يتفرّع منه أربع أبواب، وهي الأصل،
والمرجِع….، وأمُّ القُرآن فاتحة الكتاب، وأمُّ الكتاب ما في اللّوح المحفوظ».
٩- وفي مادة «تلو»:
«التاء واللام والواو أصلٌ واحد، وهو الاتِّباع، يقال تَلَوْتُه إذا تَبِعْتَه، ومنه تلاوةُ القُرآن، لأنّه يُتْبِع آيةً بعد آية»
١٠- وفي مادة «حزب»:
«الحاء والزاء والباء أصلٌ واحد، وهو تجمُّع الشيء..، والطائفة من كلِّ شيءٍ حِزْبٌ، يقال قرأَ حِزْبَهُ من القرآن»
١١- وفي مادة «درس»:
«الدال والراء والسين أصلٌ واحد …، ومن الباب دَرَسْتُ القُرآنَ وغيرَه».
١٢- وفي مادة «ظن»:
«الظاء والنون أُصَيْل صحيحٌ يدلُّ على معنينِ مختلفين: يقين وشكّ … وهو في القرآن كثير».
١٣- وفي مادة «فـتح»:
«الفاء والتاء والحاء أصلٌ صحيح يدلُّ على خلافِ الإغلاق…، وفَواتحُ القُرآنِ أوائل السُّوَر».
١٤- وفي مادة «عضو»:
«العين والضاد والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تجزئةِ الشَّيء …، قال الخليل، وقوله تعالى الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ، أي عِضَة عِضة، ففرَّقوه، آمنوا ببعضه وكَفَرُوا ببعضه»
ثالثًا:
فيا من تتبعون «الظاهرة الشحرورية» بغير علم، تدبروا هذه الفقرة السابقة «١٤»، التي أختم بها هذه الأمثلة، والتي تنطبق تماما على ما فعله شيخكم
«شحرور»!!
١- إن «ابن فارس»، الذي يتبعه «شحرور»، يتهمه اتهامًا صريحًا «قطعي الدلالة» لا شبهة فيه، ويقول له:
لقد جعلت يا «شحرور» كلام الله «عضين»، ففرّقت بين كلام الله في «الكتاب» وكلام الله في «القرآن»، وجعلت بعضه تشريعًا وبعضه غير تشريع، فأصبحت أنت ومن اتبعك من المشركين، لأن الله يقول عن «الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ»:
* «فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ -عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ»
ثم توجه الخطاب إلى الرسول لبيان حقيقة هؤلاء:
* «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ»
* «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ»
* «الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ»
أليس هذا هو حال الذين يتابعون منشورات هذه الصفحة، من أتابع «شحرور»، ولم يستطع أحد منهم أن يواجه «العلم» بـ «علم» مثله، يثبت تهافت الاتهامات التي وجهتها إلى أتباع هذه «الظاهرة الإلحادية»؟!
٢- إن باب «الترادف» باب كبير، ومدارسه كثيرة، لا يختلف عن أبواب التفسير والحديث والفقه..، هذه العلوم التي ظهرت بعد تفرق الأمة الإسلامية إلى فرق ومذاهب عقدية وتشريعية مختلفة، ولذلك يجب الانتباه!!
لقد ولد «لسان القرآن العربي» قبل أن يولد أئمة وفقهاء اللغة العربية، وكان هذا «اللسان العربي» هو نفسه البرهان على صدق نسبة هذا القرآن إلى الله، بأن يأتي أهله بسورة من مثله.
ولم يستطع «أهل اللسان العربي» أن يأتوا بمثله، فدخل الذين آمنوا بصدق «البرهان» في دين الله أفواجا، قبل أن تظهر «معاجم اللغة العربية».
٣- وقبل أن يولد «شحرور»، ويكتشف بقراءاته المعاصرة، أن كلمة «الكتاب»، وكلمة «القرآن»، في التنزيل الحكيم، ليستا كما عرفهما «أهل اللسان العربي»:
الذين آمنوا بـ «الآية العقلية القرآنية» التي حملها «الكتاب»، الذي لم تفرق آياته بين الكلمتين من حيث «الآيات المنزلة»، وإنما جاء الفرق من حيث «الصفات» التي اختصت بها كل كلمة، فتدبر:
يقول الله تعالى في سورة فصلت:
«كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ»
فهذا الكتاب هو نفسه:
«قُرْآناً عَرَبِيّاً»
ولكن: «لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
أي يعلمون «الأدوات» التي يقفون بها على صحة ذلك.
إذن فمن أين جاء «شحرور» بأن الله قسم «كلامه» إلى «كلام الكتاب»، و«كلام القرآن»، وأي منهما هو الذي أراده الله بقوله:
* «.. يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ..»
* «.. فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّه ..»
«.. يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ..»
فهل المقصود بكلام الله «الكتاب» الذي أنزله الله على رسوله نصًا ومحتوى، أم المقصود «القرآن» الذي هو بعض آيات الكتاب التي لا علاقة لها بأحكام القرآن وتشريعاته؟!
رابعًا:
إن «ابن فارس»، السني المذهب، والذي اتخذه «شحرور» إمامًا له في اللغة، من علماء القرن الرابع الهجري «ت٣٩٥هـ»، فلماذا اختاره ولم يختر شيخه «سيبويه» الذي يسبقه بقرنين من الزمن «ت ١٨٠هـ»؟!
ثم لماذا لم يختر ابن الأنباري «ت ٣٢٨هـ»، أو أبي علي الفارسي «ت ٣٧٧هـ»، أو ابن عيسى الرماني «ت ٣٨٤هـ» أو ابن جني «ت ٣٩٢هـ» الذي كان معاصرًا له؟!
لأن «ابن جني» كان من الذين يثبتون «الترادف»، متبعًا شيخه «أبي علي الفارسي»، الذي كان يعتبر «الترادف» أصل من أصول اللغة العربية وخصائصها، وله كتاب «الخصائص» الذي رد فيه على منكري الترادف، وفند آراءهم!!
إنها أزمة «عقدية – عقلية – عشوائية»، أن نجد الآلاف يتبعون هذه «الظاهرة الإلحادية»، ويعتبرون أن زيادة نسبة الإعجاب دليل على أن هذه الظاهرة على الحق!!
فأي «حق» هذا الذي تتحدثون عنه، وصاحبكم يأخذ بـ «أرجلكم» إلى «جهنم»، وأنتم تحسبون أنكم تتبعون دين الله «الحق»؟!
محمد السعيد مشتهري