ينطلق «د. م. محمد شحرور» في قراءاته المعاصرة من قاعدة نقد أو نقض تراث السلف الديني، فيضع أمامه منظومة الفقه «السّنْي»، ويبدأ في تفصيل دين إسلامي تنويري مُعاصر، على مذهب فرقة «أهل السنة والجماعة»!!
صحيح عطاء القرآن يستحيل أن يتوقف عند القرون الأولى، لأنه عطاءٌ متجددٌ إلى يوم الدين، ولكن السؤال:
من هم الذين يقومون بتجديده، وعلى أي أساس يتم هذا، وبأي أدوات، ووفق أي منهجية؟!
فلقد انطلق «شحرور» في أحكام المواريث من منهجية «عشوائية» فخرجت نتائجه كلها «عشوائية»!!
فهل هناك باحث ومفكر عاقل يشترط وجود «ذكر واحد» ثابت في معادلة توزيع أنصبة الإرث، في مقابل «الإناث»؟!
أولًا:
قوله تعالى «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ»
يستنتج من الآية أن حصة «الذكر» مرتبطة بعدد «الإناث»، وعليه يكون معنى الآية:
«إن ترك الميت من الأولاد ذكرًا واحدًا وأنثيين اثنتين»
# تعليق:
١- إن هذه الآية لا تتحدث عن أعداد ذكور، ولا عن أعداد إناث، ولا أن نصيب الذكر مثل نصيب الأنثى أو لا، فلو أراد الله مساواة نصيب الذكر بنصيب الأنثى، لقال بأبسط المعادلات الرياضية:
«لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَى»، وانتهت القضية، وما كان هناك ما يدعو إلى هذا المشوار الطويل عبر «الأُنثَيَيْنِ»، و«الثلاثة»، و«الأربعة»..، لنثبت في النهاية أن نصيب الذكر يساوي نصيب الأنثى، هل هذا كلام يقبله عاقل؟!
٢- لقد بدأ الله آية المواريث بوصية تحمل القانون العام الذي على أساسه توزع الأنصبة، فقال تعالى:
«يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ»
إن كلمة «أَوْلادِكُمْ»، كما بيّنت الآية، تشمل الذكور والإناث، وليس «الذكور» فقط، ولا «الإناث» فقط!!
ثانيًا:
«فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ»
يقول «شحرور»:
وفي حالة وجود «إناث» فوق «اثْنَتَيْنِ»، في مقابل «الذكر الواحد» فلهما الثلثان، و«الذكر» الثلث.
# تعليق:
١- هناك ما يُعرف، حسب أصول البحث العلمي، بـ «القرائن» الدالة على ما يذهب إليه الباحث، فأين القرينة التي حملها سياق الآية التي جعلتنا نفهمها «فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً» – «مَع ذَكَر»؟!
٢- لقد افترض «شحرور» وجود «ذكر» ليأخذ الثلث المتبقي، حتى لا يترك بلا صاحب!!
٣- وهذه الآية لا تتحدث عن «ذكور» مطلقًا، وإنما عن حالة ما إذا كان الأولاد «كلهن» نساء «فَوْقَ اثْنَتَيْنِ»، فيوزع «ثُلُثَا» الميراث بينهن بالتساوي، و«الثلث» المتبقي على من لهم حق في ميراث المتوفى.
ثالثًا:
«وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ»
يقول: وفي حالة وجود «أنثى» واحدة، و«ذكر» واحد، فلها النصف، وله النصف!!
# تعليق:
١- فأين القرينة التي حملها سياق الآية، التي جعلتنا نفهمها «وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً» – «مَع ذَكَر»؟!
٢- لقد افترض وجود «ذكر» ليأخذ النصف المتبقي، حتى لا يترك بلا صاحب!!
٣- والآية تتحدث عن حالة وجود أنثى «وَاحِدَة» للمتوفى، فتأخذ نصف الميراث، والنصف الآخر يوزع على من لهم حق في ميراث الميت.
رابعًا:
وهذا ما جعل «شحرور» يركز في حديثه على مسألة «الذكر الواحد»، وأن آيات الإرث لم تأت أصلاً إلا في حال وجود «الجنسين معا»، وهذا ما دفعه إلى القول:
١- «فَإِن كُنَّ نِسَاء»، أي مع «ذكر»
٢- «وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً»، أي مع «ذكر»
٣- «وَلَهُ أُخْتٌ»، أي مع «أخ»
٤- «فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ»، أي مع «أخ»
كما ذكر في كتابه «نحو أصول جديد للفقه الإسلامي»
# تعليق:
وهل حملت أحكام المواريث كلها الجنسين معا؟!
فأين نذهب بحالات الجنس الواحد في قوله تعالى:
(أ) «فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ»
(ب) «وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ»
(ج) «وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ»
* وهل يمكن أن نفهم هذه الآية على النحو التالي:
«وَلَكُمْ (مع امرأة أخرى) نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ»
كي نحقق المعادلة الرياضية الشحرورية؟!
(د) «فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ»
(هـ) «وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ»
* وهل يمكن أن نفهم الآية على النحو التالي:
«وَلَهُنَّ (مع رجل آخر) الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ»
كي نحقق المعادلة الرياضية الشحرورية؟!
(و) «فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم»
# وغيرها من الآيات الدالة على تهافت مسألة ملازمة «الذكر» لـ «الإناث» في أحكام الإرث.
مع ملاحظة أن كلمة «ولد»، في الآيات السابقة تعني «الذكر والأنثى»، وليس «الذكر» فقط.
خامسًا:
وهناك مصيبة فكرية أخرى، لم يشر إليها «شحرور» في حديثه، وإنما ذكرها في كتابه المشار إليه سابقا، وهي:
أنه يعتبر «لفظ النساء» لا يعني إلا الإناث «البالغات»، دون غيرهن!!
# تعليق:
في الحقيقة أنا لو قمت بالرد على كل كبيرة وصغيرة، خاصة مع قوم لا يعرفون إلى «المنهجية العلمية» سبيلا، فهذا معناه دخولي «الرعاية المركزة»!!
١- إن القاعدة العامة التي نفهم على أساسها أن كلمة «النساء» تعني «الإناث»، منذ ولادتهن وحتى وفاتهن، هي قوله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء..»
طبعا هذا إن لم تأت قرينة تصرف الكلمة عن معناها الحقيقي، ولا قرينة هنا تجعلنا نفهم أن «البث» يكون فقط عند البلوغ!!
٢- ويجيب «شحرور» على هذه الشبهة بقوله:
إن «البث» لا يكون إلا من جماع جنسي، والجماع الجنسي لا يكون إلا من رجل وامرأة، وفعل بث لا يتحقق إلا بوجود ذكر بالغ رجل وأنثى بالغة امرأة!!
يعني «جاء يكحلها عماها»!!
فهل هناك «عاقل» يقول:
«ولأن فعل بث لا يتحقق إلا بوجود ذكر بالغ رجل وأنثى بالغة امرأة»؟!
إن «البث» لا علاقة له بـ «البلوغ»، إلا في مناهج «القص واللصق»، فأين نذهب بقوله تعالى في سياق الحديث عن «آيات الآفاق» التي تشمل كل شيء يدب على هذه الأرض:
«وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ»
أليس الأطفال «ذكورًا وإناثًا» من الأشياء التي تدب على الأرض؟!
سادسًا:
إن الإشكاليات «الوهمية» التي يتصورها «شحرور»، ويعيش بداخلها، ثم يخرج على الناس بمؤلفات لا تساوي المداد الذي كُتبت به، لذلك لا يُعجب بها إلا من يعيشون معه في هذا الوهم.
١- إن هذه «الأوهام الفكرية»، التي تلبس لباس المعاصرة والتنوير، أستطيع أن أكتب فيها عشرات الكتب للرد عليها، خاصة وأني قرأت كل ما أصدره «شحرور»، ولكني أعلم أن الله سيحاسبني على ضياع الوقت في مثل هذا العمل.
لذلك، ومنذ أن قررت أن أنهى عن منكرات الملحدين في أحكام القرآن، أكتفي دائما بإسقاط القواعد المنهجية التي تقوم عليها هذه المنكرات، فيسقط بسقوطها كل ما قام عليه.
٢- واللافت للنظر، عندما يُسأل «شحرور» عن كيف لم يلتفت أحد، عبر قرون مضت، إلى مثل قراءاته المعاصرة لأحكام القرآن، تكون إجابته الدائمة:
لكل عصر قراءاته، ومن فضل الله على الناس، أن القراءة تتبع تقدم العصور، فلا يمكن مقارنة وضع الأنثى اليوم، بما كانت عليه في العصور السابقة!!
٣- ولا أدري، هل نزل القرآن ليُقر الكفر، والشرك، وسفك الدماء بغير حق، والجهل، والشهوات المحرمة، والعشوائية الفكرية..، على مر العصور، أي نزل ليقبل «ما هو كائن اليوم» ويباركه؟!
أم ليأمر الناس بتغيير «ما هو كائن اليوم»، واتباع «ما يجب أن يكون»؟!
٤- إن جذر الشجرة إذا فَسَدَ فسدت جميع ثمارها، وجذر شجرة قراءات «شحرور» المعاصرة، قد فسد منذ بدأ في غرس بذرته!!
سابعًا:
إن الذين لا يعلمون من هو «محمد مشتهري»، عليهم أن يعلموا أن مشروعه الفكري يقوم على:
١- ليس في «دين الإسلام»، الذي حمله رسول الله محمد إلى الناس جميعًا، شيء اسمه «رجال دين»، ولا «فقهاء سلف»، ولا «فرق إسلامية»، ولا قراءات معاصرة وتنويرية «سنية»، وأخرى «شيعية»، وثالثة «معتزلية»، ورابعة «الفرق الأخرى»!!
٢- لن يقبل الله إسلام أحد إلا إذا دخل في «دين الإسلام» من بابه الصحيح، باب «الإيمان» بصدق الآية «المعجزة» القرآنية «العقلية» الموجودة أمامه اليوم، وليس الأمس!!
٣- وعندما يكون شرط الدخول في «دين الإسلام» هو «الإقرار» بصدق «آية عقلية قرآنية»، فالأمر يقتضي ممن يريد ذلك أن يكون على «علم» بمفاتيح وأدوات الدخول إلى هذه «الآية» للوقوف على صدقها.
وعليه، فإن المطلوب لإعادة المسلمين إلى ما كان عليه رسول الله، قبل تفرقهم وافترائهم الكذب على الله ورسوله، أن يكونوا جميعًا «علماء»، كلٌ في تخصصه العلمي، وليسوا تابعين مقلدين قرونا من الزمن!!
ثامنًا:
هذا هو «محمد مشتهري»
وعلى الذين يتهمونه بـ «السلفية» و«الأزهرية»، و«الجمود»…، لأن مشروعي الفكري لا يوافق «هواهم»، و«شهواتهم»، عليهم أن يمتنعوا، لأن الصفحة لا تقبل «الببغاوات» التي تردد ما لا تعلمه!!
ولو أنهم «عقلوا» ما يقولون، لاطلعوا أولا على ما كتبه السلفيّون في نقد ونقض قراءات «شحرور»!!
١- إن «السلفيّين» ينطلقون في هجومهم على «شحرور» من منطلق التراث الديني «السني»، باعتبار أنه «سنّي»، لعل الله يهديه، فإذا هاجمه «شيعي»، فإنه ينطلق من تراثه الديني!!
وفي جميع الأحوال سنجد أنهم يقولون في مؤلفاتهم ردودهم:
كيف يا رجل تقول كذا وكذا.. وقد قال رسول الله كذا….، كيف تفتي بكذا وكذا… وقد أفتى أبو حنيفة بكذا…، وكيف تخالف إجماع الأمة وقد أجمعت على….، يقصدون طبعا إجماع «أهل السنة»!!
٢- فلماذا لا يقرؤون، ولماذا إذا قرؤوا لا يتدبرون؟!
هل وجدوا في منشورات «محمد مشتهري» جملة واحدة يستند فيها إلى تراث أي فرقة من الفرق، لـ «نقض» مشاريع أصحاب القراءات الإلحادية، حتى يتهموه بأنه «سلفي»، أو «أزهري»، أو «قُمّي»؟!
٣- وبعدين يخرج علينا من ينصحني ويقول:
«ما اتخليك في حالك يا دكتور»!!
فلا أدري إلى متى سأظل أقول:
«أَفَلا تَعْقِلُونَ»؟!
محمد السعيد مشتهري