هل يعلم المسلمون معنى فعل الأمر «اعْبُدُوا» في قوله تعالى:
«وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»؟!
لو كانوا يعلمون ما وصلوا إلى ما هم عليه اليوم!!
إذن فهل المطلوب منهم أن يعيدوا المسلمين أولًا إلى قاعدة «الوحدانية» التي منها ينطلق التزامهم بأحكام القرآن.
أم يعطون ظهورهم لهذا المنطلق، ويعيشون حياتهم الفكرية المذهبية التي هم عليها اليوم؟!
أولًا:
هل أقام المسلمون مفهوم «العبادة» الصحيح في حياتهم، فخضعوا وأطاعوا الله، ونزّهوا ربّهم عن كل ما لا يليق بفعالية أسمائه الحسنى؟!
هل أقاموا بيوتهم على فعالية مفهوم «الوحدانية»، ودخلوا «دين الإسلام» هم وأولادهم من باب «الآية العقلية القرآنية» التي لا يملكون غيرها اليوم دليلًا على صدق «نبوة» رسولهم محمد؟!
ثانيًا:
هل يعلمون أن «الأجهزة المحمولة» التي أنعم الله بها عليهم، لتكون وسيلة لمزيد من «التقوى والعمل الصالح»، قد أساؤوا استخدامها، فأصابتهم جميعًا، كبارًا وصغارًا، بسرطان «الخرس العائلي»؟!
هل يعلمون، باعتبارهم «مؤمنين مسلمين»، أن لهذه «الأجهزة المحمولة» مهمة محددة، ولكن الشيطان صرفهم عنها، ليقوم بالدور الذي خلقه الله من أجله وهو:
* «قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ – وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ – إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ»
ثم تدبر ماذا قال الله تعالى له بعدها:
* «قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ – إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ – إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ – وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ»
هل يعلمون أن عكوفهم على هذه «الأجهزة المحمولة» يجعلهم يرتكبون كبائر الإثم والفواحش، ولا أقصد «الجنسية» منها، وإنما:
هل يعلمون أنهم مع هذه «الأجهزة المحمولة» يعيشون ليل نهار، وفي أي مكان، حالة من «التغييب العقلي» وهم يستمتعون بهذا «الشيطان المحمول» ليُخرجهم من أزماتهم النفسية، ومشاكلهم الزوجية والعائلية؟!
ثالثًا:
فأين سنذهب بقوله تعالى:
* «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ»؟!
ألم يصبح هذا «الشيطان المحمول» صنمًا يُعبد من دون الله، و«إدمانًا» يفوق إدمان المخدرات، فإذا ناداك أحد لا تسمعه، وإن تركت شيطانك دقائق تشعر أن شيئًا افتقدته، فترجع «عاكفًا له»، أي عابدًا؟!
ألم تسمع يومًا قول إبراهيم عليه السلام:
* «إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ – قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ»؟!
هل تدبرت هذه الجملة «فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ» الدالة على أن القلوب تتشرب «الشرك» إلى درجة أن عكفت للأصنام، وليس عليها، فلم تعد تستطيع مفارقتها ليلاً أو نهارًا؟!
هل تدّبر المسلمون يومًا قوله تعالى لرسوله:
* «قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»
* «لَا شَرِيكَ لَهُ – وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ – وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ»؟!
إن هذا هو الفهم الواعي لحقيقة «المسلم»، فبعد أن «آمن» وأصبح «مؤمنًا»، عليه أن يقيم حياته كلها على الخضوع والتسليم لأمر الله، فهل هذه هي حياة المسلمين و«ذُرِّيَّتهم» اليوم؟!
أم أنها أصبحت منظومة من «المحرمات» جعلت فقهاء السلف يجعلونها بـ «المئات»، فكان رد فعل فقهاء التنوير والمعاصرة أن جعلوها «أربعة عشر» محرمًا؟!
وما كان لهم أن يفعلوا ذلك، لأن معظم «المحرمات» التي جاء بها فقهاء المذاهب، لا أساس لها في كتاب الله، وإنما قامت على مرويات الرواة!!
رابعًا:
وإن الذين جعلوا «المحرمات» في «الوصايا العشر» التي وردت في سورة الأنعام «١٥١-١٥٣» فقط، قوم لا يعقلون، وأي «دِين» يتبعون؟!
فتعالوا نتعرف على هذه «الوصايا العشر»:
* «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ»
١- «أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً»
٢- «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»
٣- «وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ»
٤- «وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»
٥- «وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ..»
٦- «وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..»
٧- «وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ..»
٨- «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى»
٩- «وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا»
وعَقّبَ بقوله تعالى:
«ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»
ثم بيّن الله أن هذا هو الصراط المستقيم، واجب الاتباع:
«وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ»
ثم حّرّم الله التفرق عن هذا الصراط، فقال تعالى:
١٠- «وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ»
وعَقّبَ بقوله تعالى:
«ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»
وكان قد عقب من قبل بقوله تعالى:
«ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»
والسؤال:
ونحن في سياق الحث على التقوى والتذكر، أين نجد حرمة ترك «الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»؟!
وأين نجد في «الوصايا العشر» ما حرّم الله من «المأكولات»، التي وردت في آيات أخرى، ومنها قوله تعالى في سورة المائدة:
* «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ – وَالدَّمُ – وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ – وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ – وَالْمُنْخَنِقَةُ – وَالْمَوْقُوذَةُ – وَالْمُتَرَدِّيَةُ – وَالنَّطِيحَةُ – وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ – وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ – وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ – ذَلِكُمْ فِسْقٌ..»
وأين نجد صيغ «نهي التحريم» الذي حملته عشرات الآيات، غير السابق ذكرها؟!
وأين نجد الأمر بـ «افعل» الدال على وجوب الفعل، ويحرم مخالفته، والذي حملته عشرات الآيات غير السباق ذكرها؟!
فماذا لو أننا وجدنا أن «المحرمات» التي نص عليها القرآن بصيغ متعددة، وبدلالات قطعية، «مائَتَان»، هل سنؤمن بها كلها، أم سنرفض منها ما جاء موافقًا لما عند فقهاء السلف؟!
خامسًا:
تعالوا نتدبر «الآية ١٤٨»، التي يخاطب الله فيها الذين يفترون عليه الكذب، والتي جاءت قبل «الوصايا العشر»:
* «قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا – إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ – وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ»
نعم، «وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ»
و«الخَرَصْ» أقبح أنواع الكذب، وهو ما يُميّز الذين يتقوّلون على الله بغير الحق، ويُفتون في أحكام كتابه بغير علم.
وسبب «الخَرَصْ»: غياب «المنهجية العلمية» التي تحمل «أدوات» فهم القرآن التي أمر الله بها.
وسبب كراهية الخَرَّاصينَ لـ «العلم»: أنه يكشف عوراتهم الفكرية.
فإذا جاء «محمد مشتهري» يكشف للناس هذه العورات، قالوا:
إنه سلفي، أزهري، تربى في بيئة دينية، لا يقبل الرأي الآخر، لم يأت بجديد عما هو موجود على الساحة الدينية، يسعى إلى تشويه صورة «الملحدين»!!
ولقد ذكرت أكثر من مرة، على هذه الصفحة وعلى موقعي، رحلتي الفكرية، وأني خلعت ثوب «الإسلام الوراثي»، وكفرت بـ «التراث الديني» لجميع الفرق الإسلامية.
أما «الملحدون» فيعيشون داخل منظومة الفرقة التي ولدوا فيها، التابعة لمنظومة «التفرق في الدين» الكبرى، ولكنهم يلبسون لباس المعاصرة والتنوير:
على مذهب شحرور «السني»، والرفاعين «السنيّين»، ومنصور «السني»، والبنا «السني»، والبحيري «السني»… وغيرهم!!
وإياكم أن تقولوا إنهم خلعوا ثوب المذهبية، لأنهم لو صدقوا لدخلوا في «دين الإسلام» من بابه الصحيح!!
الأمر الذي يقتضي أن يقطعوا صلتهم بكل ما يتعلق بـ «تراث الجاهلية»، ليس فقط بفرقتهم، وإنما بجميع الفرق.
أما «شماعة» أننا ننتقد وننقض تراث فرقتنا، لعل باقي الفرق تتأسى بنا، فهذه شماعة المُفلسين، ليس علميًا فقط، وإنما و«عقديا»!!
سادسًا:
* «أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ»
ويدخلون «دين الإسلام» من بابه الصحيح، باعتبار أن التفرق في الدين «كبيرة» من كبائر الإثم، إلا إذا كانو يعتبرونه من «اللمم»!!
والله تعالى يخاطبهم ويقول لهم:
* «وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ – مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً – كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»؟!
إنها دعوة للتدبر، لعل الله يُحدث بعد ذلك أمرًا.
محمد ال