إن كلمة «الوحدانية»، وفعاليتها في هذا الوجود، هي أصل كل «طيب»، وإن كلمة «الشرك»، وفعاليتها بين الناس، هي أصل كل «خبث» يفعلونه، ولذلك أرسل الله رسوله للناس جميعًا:
* «يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ»
* «وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ»
* «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ»
وطلب من الناس جميعًا أن يؤمنوا برسوله محمد:
* «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ»
وأن يتبعوا مصدرًا تشريعيًا واحد:
* «وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ»
فإن فعلوا:
* «أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»
فـ «الْمُفْلِحُونَ» هم الذين يعيشون حياتهم على ثمار «الشجرة الطيبة» ويُحرّمُون على أنفسهم ثمار «الشجرة الخبيثة»، وهؤلاء يثبتهم الله:
* «بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ»
و«الخاسرون» هم الذين يعيشون حياتهم على ثمار «الشجرة الخبيثة»، يُحلّون لأنفسهم ثمارها، وهؤلاء ضلّوا لأنهم اختاروا بإرادتهم السير في طريق الضلال:
* «وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ»
إن نعمة الحياة داخل منظومة «ثمار الشجرة الطيبة»، حيث الفهم الواعي لـ «الوحدانية»، والعمل بـ «أصول الإيمان»، وتفعيلها عملًا صالحًا في حياة الناس.
إن هذه النعمة تُثمر مجتمعًا إيمانيًا، يسعد أفراده بحياة طيبة، يحفظهم الله من الزيغ والزلل، ويدفع عنهم شياطين الإنس والجن، بتثبيت الله لهم ثبوت الشجرة الطيبة في الأرض بفروعها.
إنها «سنة الله» التي لا تتخلف «وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ»:
* «وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ»
# فماذا يعني تثبيت المؤمنين بـ «بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ»، وهل معناه «الكلام الثابت»؟!
أولًا:
يجب أن يعلم المؤمنون، أنهم في أشد الحاجة إلى الدعاء الدائم بتثبيت قلوبهم على «الوحدانية»، لأن جملة «بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ» يُفهم منها أن هناك تثبيت بقول غير ثابت، وهو من عمل «الشيطان»، فاحذروا وانتبهوا!!
ثانيًا:
إن القرآن كلام الله:
* «يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ»
وعندما نطق به لسان الرسول أصبح «قول الرسول»:
* «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ»
وهذا ما أشارت إليه الآيات التي وردت فيها كلمة «قل»:
* «قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً»
* «قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ»
* «وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى»
وغير ذلك الكثير.
ثالثًا:
«كلام الله» هو فعاليات أسمائه الحسنى، التي لا تُحصى في هذا الوجود، فتدبر:
* «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً»
وعندما يتوجه «كلام الله» لإرادة شيء فإنه يوجد على الفور بغير أسباب:
١- إما بـ «الكلمة»:
* «إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ»
٢- أو بـ «القول»:
* «قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ»
وسواء كانت فعاليات أسماء الله الحسنى بـ «الكلمة»، أو بـ «القول»، فإن سنة الله الحاكمة لهذا الوجود هي قوله تعالى:
* «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»
رابعًا:
أما في عالم البشر فيقول الله تعالى:
١- عن أهل جهنم:
* «قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ… كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا..»
فيوم القيامة «يقول» المشرك «كلامًا» لا جدوى فيه، وهو:
«رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً..»
ولذلك لا يُستجاب لطلبه.
٢- وفي سياق قصة مريم، عليها السلام:
* «فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا»
وهنا نلاحظ « … فَقُولِي … فَلَنْ أُكَلِّمَ …»
وهنا يتدخل علم السياق ليظهر لنا جملة محذوفة إلا أنها تُفهم «ضمنيًا»، وهي بين جملة:
«فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا»
وجملة:
«فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا»
نفهم من ذلك أن عيسى، عليه السلام، قال لها أيضا:
«فإن سألك أحد عن قصتك، فلا تكلّميهم إلا في موضوع «النذر»:
«فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا»
الأمر الذي يقتضي:
«فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا»
٣- وفي سياق إشاعة الفاحشة، وحادثة «الإفك»:
* «إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ»
* «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ..»
فجاء بـ «القول» إشارة إلى موضوع «مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ..»، ثم جاء بـ «الكلام» إشارة إلى ما كان يجب عليهم فعله، ولذلك جمع بين الأمرين، فقال تعالى:
* «وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا…»
تدبر: «.. قُلْتُمْ … نَتَكَلَّمَ ..»
٤- إذن فـ «القول» هو موضوع «الكلام»، الذي يمكن التعبير عنه بأي أسلوب من أساليب التعبير، كما أنه يشمل «حديث النفس»، أي ما يُفكّر فيه الإنسان:
* «وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»
* «أنَّهُ يَعلَمُ الجَهرَ مِن القولِ ويَعلَمُ مَا تَكتُمون»
٥- ولذلك عندما قال الله تعالى لنساء النبي:
* «فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ»
كان المقصود بـ «القول» موضوع «الكلام»، وليس ذات «الكلام»، بقرينة «فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ».
٦- وعندما قال تعالى لموسى وهارون:
«فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى»
لم يكن المقصود مجرد «الكلام»، وإنما «موضوع» الكلام، بقرينة «لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى».
خامسًا:
أما «الكلام» فهو «قول» نطق به اللسان، أو كتبه القلم.
وما «نطق» به لسان رسول الله محمد من قرآن، وما «كتبه» في «المصحف»، هو «الحق المطلق»، لأنه «كلام الله»، فلم يكن «قوله» الذي نطق به «لسانه» عن «هواه»:
«وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى»
والذين وظَّفوا هذه الآية لخدمة «حكاوي القهاوي» ومرويات «أبي زيد الهلالي»، افتروا على الله الكذب:
* «إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ»
إن «رسول الله» حَمَلَ «رسالة الله» وشهد الله له بأمانة «البلاغ» عن الله، فكيف ينسب «مسلم» إلى رسول الله «بلاغ» غير نصوص «رسالة الله»، ثم يبقى على إسلامه لحظه؟!
محمد السعيد مشتهري