لقد عرفت شعوب العالم أساليب الكتابة بأشكالها العديدة، قديمًا وحديثًا، باعتبارها فنًا من فنون الإبداع، يقوم على دراية الكاتب بـ «لغة» قومه وأسلوبها «البياني»، الذي يساعده على إيصال الفكرة إليهم.
وتختلف أساليب الكتابة من كاتب إلى آخر، فهناك من يستخدم الأسلوب «الوصفي» الذي يُعبّر عن أفكاره ممزوجة بخياله، كالمقالات الأدبية والقصص، وهو أسلوب يستمتع به القارئ.
وهناك من يستخدم أسلوب «الإقناع العلمي»، فيضيف إلى «الوصفي» البراهين العلمية الدالة على إبداعه الفكري، كالبحوث والدراسات العلمية.
وآخر يستخدم أسلوب الإقناع العلمي ولكن في «إطار ساخر»، يعكس آلامه وأوجاعه الفكرية، ولا يستطيع الفصل بين الفكرة والإحساس بها، فيلجأ إلى التعبيرات «المجازية» التي لا يفهمها إلا الذين يعلمون أسلوبه وبصمته الفكرية.
وتعتبر «السخرية النقدية» من الأساليب الساخرة التي يلجأ إليها الكاتب للنهي عن فساد في مجال من المجالات السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو الدينية..، وهذا الأسلوب يؤلم المفسدين، وما كان لهم أن يتألّموا!!
إن «السخرية النقدية» لا تنطلق من أحقاد شخصية وضغائن ذاتية، أو من شعور بالكبر والأفضلية..، وإنما من خوف أن تَفسد قلوب الناس إذا ترك المؤمنون المفسدين دون تعنيفهم، والغلظة عليهم، وبيان ضلالهم.
فماذا فعل المؤمنون خلال قرون مضت بالفساد والإفساد الذي يسري في دمائهم، ودماء أئمتهم، حتى وصلوا إلى ما هم عليه اليوم؟!
أولًا:
إن الدراسات الأكاديمية، والبيئة الدينية التي نشأت فيها، والتحديات التي واجهتها، منذ أن كنت سلفيًا إلى أن دخلت في «دين الإسلام» من بابه الصحيح، جعلتني هذه الظروف كاتبًا من النوع الثالث «رغم أنفي»، مع بقاء شخصيتي الحياتية المتوازنة كما هي دون تغيير.
وقد سبق أن لفت نظر بعض الأصدقاء إلى عدم الاهتمام بأسلوبي الذي أصبح هو «بصمتي الفكرية» التي أُعْرف بها، وأن ينشغلوا بما يحمله الأسلوب من «علم»، وأن يقوموا بالرد عليه أيضا بـ «العلم»، ثم بعد ذلك «قولوا ما شئتم عن أسلوبي».
ولكن دون جدوى، والسبب: هو «الإفلاس العلمي»!!
١- قرأ أحد الأصدقاء الجملة الأولى من منشور الأمس، وهي:
«إن فاحشة الزنا فِعْلٌ خبيث يعلمه الإنس والجن والحيوانات»
وفور قراءته لهذه الجملة «فقط» كتب تعليقًا يسألني:
«الحيوانات تعرف الزنا؟!»
٢- لفت نظره إلى أن هذا أسلوب «مجازي» يناسب ما قلته بعد ذلك:
«ولكنه عند شحرور لا يكون زنا إلا إذا كان الفعل أمام الناس كالحيوانات»
٣- وأردت بالإشارة إلى هذا التعليق بيان أن معظم منشوراتي تحمل الكثير من الأساليب البيانية، وخاصة «المجاز»، لينتبه الأصدقاء إلى ذلك، وأن على من لا يعلم أن يسأل قبل التعليق.
ثانيًا:
من العجيب والغريب أن يظل معظم المعجبين بأصحاب القراءات المعاصرة والتنويرية سنوات وسنوات تابعين مقلّدين بغير علم، فإذا أنشأ أحدهم حسابًا لا نرى فيه علمًا، ولا إبداعًا فكريًا، وإنما نقلا لما هو موجود منذ عشرات السنين، وخاصة ما يتعلق بنقد التراث الديني!!
فإلى متى سيظل المسلمون على هذه «التبعية» المذهبية العشوائية؟!
منذ أنشأت صفحة «نحو إسلام الرسول»، والحساب «محمد مشتهري»، وأنا أنتقد بـ «أسلوبي الغليظ» من أسمّيهم بأصحاب القراءات الشاذة، العصريّين والتنويريّين، وذلك لسبب واحد فقط لا غير، وهو «النهي عن منكراتهم».
وخير شاهد على ما أثبت تهافته من «منكرات»:
١- أن المنشورات لا تحمل غير البراهين القرآنية الدالة على ذلك.
٢- لم يأت أحد من أصحاب هذه «القراءات الشاذة»، ولا أحد مِنْ التابعين لهم، ولا مِنْ الذين على «الحياد»، بأي برهان قرآني يثبت عكس ما قلت!!
علمًا بأني، ولأول مرة في تاريخ حياتي الفكرية، «أتحدى» بمشروعي الفكري أحدًا.
٣- ومن الموضوعات الطويلة التي كان من المفترض أن يُخْرِج لنا الفريق المعارض ما لديه من علم للرد على ما جاء فيها:
(أ) الجهل باللغة العربية كبيرة من كبائر الإثم «١١ منشور».
(ب) التدخين كبيرة من كبائر الإثم «٩ منشورات»
(ج) ترك هيئة الصلاة بمواقيتها التي تقام اليوم في المسجد الحرام كبيرة من كبائر الإثم «٨ منشور»
ولم يتفضل علينا أحد بالرد العلمي، الذي يشهد أصدقاء الصفحة بأنه كان «قاصمة» لما جاء في منشور من هذه المنشورات، وكل ما فعلوه هو الخروج عن شروط التعليق، وعن أدب الحوار.
ثالثًا:
أنا شخصيًا أعتبر المنشورات التسعة الخاصة بـ «تحريم التدخين» من أقوى التحديات الموجودة على الصفحة، بل ومن أكبر «القواصم العلمية» التي قصمت ظهور أصحاب القراءات المعاصرة والتنويرية، وها هي تعليقاتهم بين أيديكم.
إن القول بأن الحرام يجب أن يُنص على تحريمه صراحة، وأن ما نُصّ على تحريمه هو أربع عشرة «١٤» مسألة فقط، كما يزعم «د.م. محمد شحرور»، قولٌ لا يُعجب به إلا المنافقون، والملحدون، والشهوانيّون، لأنهم هم المستفيدون منه!!
وسأضرب مثالًا واحدًا يثبت أن «المحرمات» في كتاب الله تزيد عن
«العشرات»، وهو «صيغ النهي» في السياق القرآنى:
١- «الفعل المضارع» المقترن بلا الناهية، كقوله تعالى:
«وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ»
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ ..»
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»
* «وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ … وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا»
٢- «فعل الأمر» إذا دل على وجوب الترك، مثل «ذر»، و«كف»، و«اجتنب»، كقوله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا»
* «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ»
* «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ»
٣- «فعل الأمر» إذا دل على وجوب الفعل، كقوله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»
* «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ..»
* «فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ»
٤- النهي في السياق الخبري، كقوله تعالى:
«وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ..»
ونلاحظ هنا أن النهي في «لا تَعْبُدُونَ» جاء في سياق خبري بقرينة استخدام كلمة «تَعْبُدُونَ» بنون الفعل، وليس بصيغة النهي «لا تعبدوا» كما هو متبع.
٥- الجمل التي تتضمن مادة النهي، كقوله تعالى:
* «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»
وهذه الآية وإن كانت تخاطب المعاصرين للرسول، ولا فعالية لها بعد موته، إلا أنها دليلٌ على أن «النهي» يعني «التحريم»، بقرينة «وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»
* «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ»
٦- النهي بمعنى التخيير، ولا يجوز أن يفعل المرء فعل واحد منهما فقط، كقوله تعالى:
* «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً»
فليس معنى التخيير بـ «أو» ألا يُطيع المؤمن الآثم، ويطيع الكفور!!
رابعًا:
إن ما سبق بيانه ما هو إلا عينة من عشرات «المحرمات»، وكبائر الإثم، التي لم يرد فيها نص على التحريم.
ولذلك أنصح المنافقين والملحدين والشهوانيّين «يشوفوا لهم شغلانة تانية» غير العبث بدين الله، لأني لهم إن شاء الله بالمرصاد العلمي.
محمد السعيد مشتهري