إن «فاحشة الزنا» فِعْلٌ «خبيث» يعلمه الإنس والجن والحيوانات، ولكنه عند «شحرور» لا يكون «زنا» إلا إذا كان «الفعل» أمام الناس، كالحيوانات، أما إذا كان بعيدًا عنهم فلا يعتبر «زنا»، بشرط أن تكون المرأة غير متزوجة!!
والسؤال:
ما الفرق بين فاحشة «الزنا» وفاحشة «التدخين»، وكلها فواحش، حسب البيان القرآني، واللسان العربي؟!
أولًا:
يقول «د. محمد شحرور» في الفيديو المرفق:
١- لا يحق لأحد أن يُحرّم «التدخين»، لأن «التحريم» يكون بنص إلهي، فإذا وُجد النص يصبح على «المُدخّن» أن يُقلع عن «التدخين» ويتوب إلى الله.
# والنص موجود في ثمانية منشورات سابقة.
٢- بينما يحق للطبيب أن ينهى عن «التدخين»، ويحق للدولة أن تمنع «التدخين» في الأماكن العامة.
# من حق أي دولة أن تفعل ما تشاء، سواء كان موافقًا لشريعة الله أو مخالفًا لها.
ثانيًا:
يقول إن المحرمات «أربعة عشر»، ولا يوجد «مُحرّمٌ» في كتاب الله غيرها، وهي:
١- الشرك بالله …٢- عقوق الوالدين …٣- قتل الأولاد من إملاق أو خشية إملاق …٤- قتل النفس …٥- أكل مال اليتيم …٦- الغش بالكيل والميزان …٧- شهادة الزور …٨- نقض العهد …٩- أكل الميتة والدم ولخم الخنزير والاستقسام بالأزلام …١٠- نكاح المحارم …١١- الربا.
ثم تعالوا نتدبر الباقي:
(١٢، ١٣) الاقتراب من الفواحش، والإثم والبغي بغير حق:
* «وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»
* «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ»
# إن تحريم «الاقتراب» من الفواحش «مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»، وتحريم «الفواحش»، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ..، يحملان ما لا يحصى من «المحرمات» المكتشفة على مر العصور، وإلى يوم الدين.
ذلك أن المحرمات التي وردت بأسمائها في القرآن، هي التي كان يعلمها العرب، فنزل القرآن يُحرّم عليهم ما يعلمون.
أما أن يحصر «شحرور» الفواحش في «ست»، كلها تتعلق بـ «العلاقات الجنسية»، كما سيتبين لنا، فهذا هو عين «العشوائية الفكرية»!!
(١٤) التقول على الله:
«وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ»
فإذا لم تكن قراءات «شحرور» المعاصرة هي عين «التقول على الله» فماذا تكون!!
# فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟!
ثالثًا:
يرى «شحرور» أن الفواحش المحرمة «ست»، وهي:
١- الزنا «وهو الجنس العلني» …٢- الجنس الجماعي «السفاح» ٣- نكاح المحارم …٤- نكاح المتزوجة …٥- نكاح امرأة الأب …٦- المثلية الجنسية.
وما عدا ذلك ليس بـ «فواحش»!!
فإذا ذهبنا أولا إلى مفهومه لـ «الحلال»، وجدناه يقول:
إن الذي يحدد «الحلال»:
١- الذوق الشخصي …٢- الأعراف …٣- القانون
إذن فقد أعادتنا القراءة المعاصرة إلى «عصر الجاهلية»، حيث تحكمه أذواق الناس، وأعرافهم، وقوانينهم!!
لذلك كان على العقلاء أن يسألوا «شحرور»:
أنت تقول في منهجك:
إن مفاتيح فهم القرآن من داخله، وإن كل ما جاء به المفسّرون «هُراء»، وما أفتى به الفقهاء «باطل»!!
ثم ها أنت تُفتي وتفسّر الآيات حسب هواك، دون «منهجية علمية»، تحمل «أدوات» مستنبطة من القرآن، وبرهان ذلك:
من أين جئت من داخل القرآن:
١- أن «الزنا» هو «الجنس العلني»؟!
٢- وأن الجنس الجماعي «السفاح» من الفواحش، والآيات الأربع التي ورد فيها «السفاح» لم تذكر كلمة «فاحشة»؟!
٣- و«الآية ٢٣» من سورة النساء، المتعلقة بـ «المحرمات من النساء»، لم تذكر كلمة «فاحشة»!!
فإذا نظرنا إلى الآية التي قبلها، «الآية ٢٢»:
* «وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ – إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً»
وجدنا كلمة «فاحشة» قد وردت فيها، فهل نكاح «امرأة الأب» فاحشة، ونكاح المحرمات من النساء ليس بـ «فاحشة»؟!
ولا يصح قياس «الآية ٢٣» على ما قبلها، لأنها تشريعٌ مستقلٌ بذاته، بدأ بجملة «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ»!!
# فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟!
٤- وعندما حرّم الله «نكاح المتزوجة» فقال تعالى في «الآية ٢٤»:
* «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»
لم ترد كلمة «فاحشة» في سياق هذه الآية، بل ونجد أن الله قد أحل نكاح «المرأة المتزوجة» التي جاءت مهاجرة لتدخل في «دين الإسلام»، دون أن يُطلقها زوجها الكافر.
ولم يقل الله للمؤمنين إن من فعل ذلك منكم فقد ارتكب «فاحشة»، لأنه نكح امرأة متزوجة، لأن القرآن نزل بإباحة ذلك، فتدبر «الآية ١٠» من سورة الممتحنة:
* «وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»
# فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟!
٥- «نكاح امرأة الأب»:
وهذه هي الحالة الوحيدة من «الفواحش» التي ذكرها «شحرور»، التي وردت فيها كلمة «الفاحشة»، كما بيّنت ذلك في «٣».
٦- «المثلية»: يقول وهي اتخاذ «الأخدان»!!
ولقد وردت كلمة «أخدان» في موضعين من كتاب الله:
الأول: يتعلق بالشروط الواجب توافرها في «ملك اليمين» التي يريد المؤمن أن ينكحها.
* «مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ … وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ..»
والثاني: يتعلق بالشروط الواجب توافرها في الرجل الذي يريد أن ينكح «حرة»:
* «إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ..»
وفي الآيتين، لم ترد كلمة «فاحشة» متعلقة باتخاذ «الأخدان»، بل ولم ترد أي إشارة في كتاب الله تُبيّن أن معنى «أخدان» هو «المثيل الجنسي»!!
ثم يضحك على أتباعه ويقول لهم: إن مفاتيح فهم القرآن من داخله، والمفسرون والفقهاء يُضلّون الناس بغير علم!!
# فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟!
رابعًا:
ومن عشرات البراهين، التي حملتها منشورات الصفحة لإنقاذ أتباع «شحرور» من ضلالاته، ما ذكرته في المنشورات الثمانية عن معنى «الفاحشة»، فماذا قال هو عنها؟!
١- إن المرجع الأساس، الذي يرجع إليه «شحرور» في «اللغة والعربية»، هو «مقاييس اللغة – لابن فارس»، ولكنه يأخذ من ابن فارس ما يوافق هواه، ويترك غيره!!
يقول ابن فارس عن «الفاحشة»:
«الفاء والحاء والشين كلمة تدّل على قبح في شيء وشناعة… وأفْحَش الرجل «قال الفُحش»، والفاحش «البخيل».
والفاحش «السيء الخلق»، و«الفُحش» ما اشتد قبحه من الذنوب والمعاصي… وكلها «فواحش» ومنها «الزنا».
فلماذا حصر «شحرور» الفواحش في «العلاقات الجنسية» فقط؟!
# فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟!
٢- ولذلك سأتوقف عند قول ابن فارس «الفاحش هو البخيل»، لأبيّن بذلك مدى تهافت منهجية صاحب القراءات المعاصرة في تدبر أحكام القرآن، وخاصة عندما يقول بعدم حرمة «التدخين».
يقول الله تعالى في سياق بيان شروط إنفاق أموال الصدقات:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ… وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ… الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ..»
فـ «الفحشاء» هنا تعني «البخل»، بقرينة:
«وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ»
لأن الله ينهى المؤمن أن ينفق الخبيث «أي الرديء»، ويترك «الطيّب» له، فيأتي الشيطان ويأمره أن ينفق «الخبيث» لأنه لو أنفق «الطيّب» صار فقيرًا.
فـ «البخل» من «الفواحش».
# فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟!
٣- لقد حصر «شحرور» المحرمات في «أربعة عشر» وبدأ بقوله تعالى:
* «قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً»
مرورا بعقوق الوالدين، وقتل الأولاد، ثم قال تعالى:
* «وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»
فإذا كانت «الفواحش» هي «العلاقات الجنسية» فقط، فهل ما سبق هذه الآية من «محرمات» ليست «فواحش»؟!
أَفَلا تَعْقِلُونَ؟!
وهل عندما يقول الله تعالى لنبيه:
«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ..»
أليست «السرقة» فاحشة من هذه «الفواحش»؟!
# فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟!
خامسًا:
الحقيقة أني لم أر في شجرة شحرور المعاصرة ثمرة «طيبة»، ولو كانت ثمارها كلها مثل ثمار شجرتي، باستثناء موضوع «المحرمات»!!
ذلك أن «أحكام القرآن» أما أن يقبلها «المؤمن» كلها، أو يتركها كلها، وقبولها يجب أن يكون على «علم»، وليس تقليدًا أعمى واتباعًا بغير علم.
فالذي يقول إن «أركان الإسلام» في كتاب الله هي:
«الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح»
وإن «أركان الإيمان» هي:
«الشعائر، من صلاة وزكاة وصوم وحج».
إنسان «جاهل» لم يدخل «دين الإسلام» من بابه الصحيح، وإنما من باب دين آبائه المذهبي، وظل في فرقته، ينتقد «تراثها»، وينقي «مروياتها»، ويجدد «فقهها»، ثم يخرج على الناس ويقول لهم:
إن «التدخين» ليس «حرام»، و«العلاقات الجنسية» ليست «زنا» المهم لا تكون في الشارع كالحيوانات، أو مع امرأة «متزوجة»!!
هذا هو نجم القراءات المعاصرة، «د. محمد شحرور»، مجدد دين فرقة «أهل السنة والجماعة»، يقرأ قراءاته المعاصرة، لينجو بفرقته من نار «فقه السلف»، إلى جحيم «الإلحاد في أحكام القرآن».
إن «دين الإسلام» لا يعرف «حرية فكر»، ولا «حرية رأي»، وإنما يعرف تدبرًا لكتاب الله، وفق منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من ذات القرآن، تثمر شجرة من العطاءات لا حصر لها، لا «تتعارض»، وإنما «تتكامل»، مع إمكانات كل عصر.
محمد السعيد مشتهري