ما كان للبيت المؤمن، الذي أسلم وجهه لله، أن يمرض أحد من أفراده بمرض، نتيجة زيادة وزنه، أو تعاطيه المخدرات، أو «تدخين السجائر»، لأنهم جميعًا يعيشون داخل منظومة:
«وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»
وقد قال تعالى:
«وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا – إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»
وقال تعالى:
«وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ»
فهم يعيشون داخل منظومة «الطيبات»، يحافظون على كمية الطعام والشراب المناسبة لأوزانهم، ولا يقتربون من كل ما ثبت ضرره على صحتهم.
أولًا:
* «صيغ التحريم»
إن «المعصية» معناها مخالفة حكم من أحكام القرآن، سواء كان أمرًا «أي افعل»، أو نهيًا «لا تفعل».
١- وكل المعاصي «محرّمة» لأن:
(أ) الشريعة «تستخبثها» …. فهي «خبائث».
(ب) تصرفاتٌ قبيحة …. فهي «فواحش».
(ج) تسيء إلى فاعلها في الدارين …. فهي «سيّئات».
(د) تكرارها «دون توبة» يعني محاربة الله …. فهي «خطيئة».
و«الخطيئة» هي الطريق إلى جهنم، وذلك بعد أن أحاطت «السيئات» بالمرء من كل جانب، وبرهان ذلك قوله تعالى:
«بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
٢- وكل المعاصي «ذنوب»، و«آثام»:
فإذا نظرنا إلى عواقب المعصية كانت «ذنبًا»:
«وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ»
وإذا نظرنا إلى منع المعصية الإنسان من فعل الخيرات كانت «إثمًا»:
«وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ – فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ»
ثانيًا:
* «حكم الاضطرار»
لقد ورد حكم الاضطرار في خمس آيات، وكلها تتعلق بما يدخل جسم الإنسان من «أطعمة»، وما يستلزمها من «أشربة».
١- «فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
٢- «فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
٣- «وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ – وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ – إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ – وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ – إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ»
٤- «قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ … فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ – فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
٥- إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ – وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ – فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ – فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
# إذن فهناك قيود تحكم إباحة «الحرام»، وأولها أن يكون الإنسان قد أشرف على الهلاك، بدليل أن هذه الرخصة جاءت في سياق بيان المحرمات من الأطعمة.
وهذه القيود هي:
(أ) «غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ»: ورد في ثلاث آيات، والمعنى:
إن «المضطر» إذا وقع في «ضرورة» ألجأته إلى أكل شيء من المحرمات، يجب ألا يتعدى حد الضرورة.
وحد الضرورة هو انتهاء الشعور بالجوع، دون زيادة، فإذا تناول ما أنهى به جوعه، فقد عاد الطعام إلى حكمه الأول من «التحريم».
(ب) «فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ»
و«المخمصة» هي «المجاعة»، و«التجانف» الميل، والمقصود الميل إلى «الإثم»، أي إلى «الحرام»، بتعدي الحدود المذكورة.
(ج) «إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ»
أي إلا ما دعت الضرورة إلى تناوله من المحرمات المذكورة.
(د) ويدخل في حكم «الاضطرار» ما دعت «الضرورة» إلى استخدامه، كالمواد «المخدرة» المستخدمة في العمليات الجراحية.
وهذه ليست من باب الرخصة، وإنما عزيمة واجبة، لو امتنع المريض عن الأخذ بها، ومات، فقد قتل نفسه بتركه ما أباح الله له.
والسؤال:
هل يمكن اعتبار أول «سيجارة»، وأول «شيشة»، وأول «شمة»..، اضطرارا اقتضته الضرورة، أم أن هذا الاضطرار جاء بعد أن «أدمن» المسلم، وبدأ يطلب من الناس المساعدة؟!
ثالثًا:
* «الأحكام التكليفية»
لهذه الأحكام، عند فقهاء الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، مصدران:
«الآيات القرآنية»، و«الروايات البشرية»
وتنقسم هذه الأحكام عندهم إلى:
١- مُحرّم: الذي يثاب تاركه، ويعاقب فاعله.
٢- مُباح: الذي لم يرد في تركه، أو في فعله، ثواب أو عِقاب.
٣- واجب: الذي يُثاب فاعله، ويُعاقب تاركه.
٤- مُستحب: الذي يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه.
٥- مُكروه: الذي يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله.
فلماذا ذهب الفقهاء إلى هذا التقسيم؟!
(أ) بعد قرنين من وفاة النبي، على أقل تقدير، وجد الفقهاء أنفسهم أمام إشكاليات «عقدية» وقع فيها المسلمون، وكان لابد أن يجدوا لها مخرجًا!!
وكان في مقدمة هذه الإشكاليات «مرويات» أحداث «الفتن الكبرى»، هذه الأحداث التي سُفكت فيها الدماء بغير حق!!
ولقد نقلت «مرويات» الرواة هذه الأحداث، وما حملته من «أزمة عقدية» أصابت في المقام الأول صحابة رسول الله.
(ب) ولقد نبتت شجرة التفرق في «دين الإسلام»، بعد أحداث الفتن الكبرى، وأصبح المسلمون فرقًا ومذاهب عقدية يُكفر بعضها بعضا، وجاء فقهاء كل فرقة بفتاوى يدافعون بها عما أصاب فرقتهم من سهام الفرق الأخرى!!
ولم تكن «أحكام القرآن» طوقًا لنجاتهم من هذه الأزمة العقدية، بل جاءت مؤكدة برؤية مستقبلية لما سيحدث بين المسلمين:
* «وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ»
* «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ – أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ»
* «وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ – مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»
(ج) ولذلك كان من المستحيل أن يصف فقهاء الفرق والمذاهب العقدية المختلفة من اشتركوا في أحداث الفتن الكبرى بالصفات التي جاءت بها الآيات السابقة.
لو فعلوا لسقطت القاعدتان اللتان قام عليهما ما يُسمى بعلم الحديث عند السنة، «قاعدة عدالة الصحابة»، وعند الشيعة «قاعدة عصمة الأئمة»!!
وعليه يكون كل من اشتركوا في الفتن الكبرى، الذين سفك بعضهم دماء بعض، قد خرجوا من ملة الإسلام!!
لذلك كان من الضروري أن يذهبوا إلى تقسيم الأحكام التكليفية، منطلقين من قاعدة «الضروريات تبيح المحظورات»!!
لقد نسخوا بـ «مرويات الرواة» أحكامًا، وخصّصوا بعضها، وقيّدوا البعض الآخر، وأعطوا ظهورهم لـ «أحكام القرآن».
ولكن، أين الإشكال الذي يخصنا نحن اليوم؟!
رابعًا:
* «القراءات القرآنية المذهبية»
أن القراءات القرآنية والمعاصرة والمستنيرة، التابعة لفرقة «أهل السنة والجماعة»، تعمل بالأحكام التكليفية كما يعمل بها «السلفيّون» الذين يطالبون بحرق تراثهم!!
١- فهل «التفرق في الدين»، الذي يعيش ملياران مسلم داخل منظومته، يعتبرونه من «الطيّبات» أم من «الخبائث»؟! من باب «الحلال» أم من باب «الحرام»؟!
٢- وهل الإصرار على «التفرق في الدين» من «كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ» أم من «اللَّمَمَ»؟!
لذلك كان على فقهاء المذاهب أن يخرجوا من أزمة «التفرق في الدين» بقولهم:
إنها «مُكروه»، يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله!!
# لماذا يا مولانا؟!
حتى يظل أتباع كل فرقة مكانهم دون عقاب على تفرقهم في الدين، ومن أراد الخروج من فرقته إلى فرقة أخرى يُثاب على تركه الفرقة!!
فإذا بالذي خرج من فرقته، بناء على هذه القاعدة، يجد «سيف الردة» في انتظاره!!
# لماذا يا مولانا؟!
لأنه بدّل دينه، ومن «بدل دينه فاقتلوه»!!
٣- إن الذي يجعل «اللَّمَمَ» من «كَبَائِر الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ» هو الإصرار على فعله، فـ «المسلم» الذي بدأ بتدخين «سيجارة»، أو بشمة «هيروين»، أو بـ «شيشة»..، ثم تاب إلى ربه ولم يعد إلى ذلك أبدا، فلا شيء عليه.
أما إن أصر المسلم على تعاطي هذه «المخدرات» دون توبة، فهذا معناه أنه يحارب الله في شريعته، فلا يبقى على إسلامه لحظة، لأن الله اشترط شرطًا:
* «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً – أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ – ذَكَرُوا اللَّهَ – فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ – وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ – وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ»
٤- والسؤال الذي يفرض نفسه في ضوء ما سبق بيانه:
# هل «تدخين السجائر»» من «الطيّبات» أم من «الخبائث»؟!
# هل من باب «الحلال» أم من باب «الحرام»؟!
قال الفقهاء:
«مكروه»، يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله!!
# لماذا يا مولانا؟!
لأن معظم أئمة وعلماء وشيوخ ودعاة الفرق الإسلامية «مدخّنون»، وعندما أصدر مفتي مصر «محمد نصر فريد واصل» فتوى بتحريم «التدخين»، وأمر بأن توضع على أبواب جميع المساجد، تمت إقالته من منصبه!!
خامسًا:
* «يفعلون الفواحش نهار رمضان ويقولون اللهم إنّا صائمون»
فعلى أي إسلام، وعلى أي إيمان يدعيه «الجُهلاء»، الذين يُفتون بحلية تدخين «السجائر» و«الشيشة» في نهار رمضان؟!
إذن فعلى أصحاب «الكافتيريات» الذين يُدخّنون، أن يفتحوا محلاتهم في نهار رمضان، ويقولون «اللهم إنا صائمون»!!
ثم على أي إسلام، وعلى أي إيمان، هؤلاء «الجُهلاء»، الذين يعتبرون «العلاقات الجنسية» بين رجل وامرأة «غير متزوجة» من المباح الذي لا يوجد نص قرآني على تحريمه!!
إذن فعلى أصحاب «بيوت الدعارة» أن يستقبلوا المسلمين من أهل الشهوات في نهار رمضان بشرط أن يقولوا «اللهم إنا صائمون»!!
والعجيب:
ما زال المساكين «علميًا»، يتبعون «أهل الشهوات»، ويُعجبون بقراءاتهم المعاصرة والمستنيرة، والقرآن يتنزل عليهم اليوم يفضحهم ويقول:
* «وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ»
* «وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا – وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ»
ثم تدبر جيدًا ماذا يقول هؤلاء عندما ينصحهم أحد بعواقب ذنوبهم، فتقف «آثامهم» عقبة بينهم وبين قبول الحق:
* «وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ»
فاتقوا الله ولا تأخذكم العزة بالإثم.
محمد السعيد مشتهري