هل تدبر المسلمون جيدًا، وهم يتعاملون مع رزق الله، قوله تعالى:
«وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ»؟!
هل تدبر المسلمون جيدًا، في نفس موضوع السياق، قوله تعالى:
«وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ»؟!
لقد جاءت الآية الأولى، في سياق التحذير من التقول على الله بما لا يعلم الإنسان، فقال تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»
فهل عندما أقول إن «تدخين السجائر» حرامٌ، وفاحشةٌ، وساء مصيرًا، أكون قد حرّمت «طيّبًا» أحل الله، أم حرّمت «خبيثًا» حرمه الله؟!
أولًا:
لقد كان المؤمنون يمنعون أنفسهم من «الحلال المباح» خشية التعلق به، وضعف النفس أمامه، وطلب الاستزادة منه، فيختل عمل وظائف الأعضاء، وتضعف آليات التعقل والتفكر..، خاصة إذا كانت النفوس ضعيفة الإيمان.
وليس المقصود بلفظ «التحريم» هنا، المفهوم الشرعي، لاستحالة أن يفعله المؤمنون، وإنما المقصود قرار «اجتناب» ما أحله الله خشية ضعف النفس فتقع في الحرام، كقول الله للنبي:
«يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ»
ويستحيل أن يقع النبي، وهو «المصطفى»، في تحريم ما أحله الله له.
ثانيًا:
فطلب الله منهم ألا يمنعوا أنفسهم مما أحله الله لهم، ولكن المطلوب «ألا يعتدوا» في تناول الحلال، نظير قوله تعالى:
«وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا»
مع ملاحظة أن مادة «الأكل» عندما تأتي من غير إضافة الشرب إليها، فإنها تعني ما تناوله الإنسان من طعام وشراب، لاستحالة أن يعيش الإنسان على «الأكل» دون الشراب.
وليس معنى أن كل ما على الأرض رزقٌ من الله أن يكون كله حلالًا، وإلا ما جاءت آيات كثيرة تخصص وتقيد هذا الرزق أن يكون «حلالًا طيبًا».
ولذلك لم يقل «كلوا ما رزقكم»، وإنما قال «مِمَّا رَزَقَكُمُ»، وكلمة «من» للتبعيض، أي اقتصروا على «الحلال الطيب»، وأكد على وجوب الالتزام بحدود الله بقوله تعالى بعدها:
«وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ»
فإن كنتم مؤمنين فأقيموا البرهان الدالة على ذلك، بتفعيل «تقوى الله»، والتزموا بحدود الله في امتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه.
إن الذي يُحلّ حرامًا، ويُحرّم حلالًا، يعتدي على شريعة الله، فأين نضع المواد التي يُسبب تعاطي منتجاتها إدمانًا، داخل حدود الله أم خارجها، والله تعالي يقول في سياق بيان أحكام القرآن:
«وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ»
إن ما أحلّه الله هو كل طيب، وما حرّمه الله هو كل خبيث، ويستحيل أن يحمل الطيب خباثة، فمع أي تصنيف نضع المواد التي يُسبب تعاطي منتجاتها إدمانًا، مع الطيبات أم مع الخبائث، والله تعالى يقول:
* «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ»
والمقصود بـ «البلد الطيب» «الأرض الطيبة»، التي تُخرج نباتًا «طيبًا» بإذن الله، أما النبات الذي «خبث» فلا يُثمر إلا «نكدًا»، أي لا يُثمر خيرًا!!
إن الأرض في أصلها طيبة، ولذلك لم يقل «والخبيث»، وإنما قال «وَالَّذِي خَبُثَ»، أي والذي طرأ على الأرض «الطيبة»، بصنع الإنسان، فجعل نباتها «خبيث».
إذن فكل المواد التي يُسبب تعاطي منتجاتها إدمانًا هي من «الَّذِي خَبُثَ»، ولا يأتي من ورائها إلا «النكد».
محمد السعيد مشتهري