حقائق لابد من إعادة التذكير بها، لقوم يعقلون:
أولًا: الفاحشة
* «وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ»
فهي «فَعْلَة» فاحشة، مشتقّة من «الفُحْش»، وهو «فعل» الشّيء المذموم والمكروه بصورة متكررة، يقال «رجل فاحش».
ثمّ نزل هذا الوصف منزلة «الاسم» لكثرة حدوثه، فغلبت الفاحشة في الأفعال الشّديدة القبح، وهي التي تنفر منها الفطرة السّليمة، أو ينشأ عنها ضرّ وفساد يرفضه «أُوْلُوا الأَلْبَابِ».
# إذن فـ «تدخين السجائر» من هذا الباب، باب «الفعل الفاحش» الذي تنكره العقول السليمة.
وهل تشهد الشركات المنتجة لـ «السجائر» بغير ذلك؟!
ثانيًا: الفواحش
* «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»
فتنقسم إلى:
«ظاهرة»: ما يفعله الناس ويظهرونه ولا يسْتَخْفُون به.
«باطنة»: ما يفعله الناس في الخفاء ولا يظهرونه.
ويدخل في هذه الفواحش الباطنة المحرمة فعل «الزنا»، الذي لا يجاهر به إلا «الحيوانات».
# إن «المدخن» سواء جاهر بـ «تدخين سيجارته» أم لم يجاهر، فهو خلال هذه الفترة يفعل «فاحشة» ويرتكب «إثما» كبيرا.
ثالثًا:
إن كون الشيء يحمل في ذاته «نفعًا» أو «ضُرًّا» أمر تثبته «تجارب» الناس، ويثبته «العلم» على مر العصور، قبل أن تنزل الرسالات الإلهية تذكر الناس بـ «حليته» أو بـ «حرمته».
إن «إدمان» شهوة، ولو كانت «حلالًا»، يجعل «مدمنها» يعيش عبدًا ذليلًا لها، تجعله يتنازل عن أي شيء في سبيل الاستمتاع بها.
إن أول سيجارة «دخنها» «المدخن» كان من السهل عليه ألا يكرّرها، ولكنه اقترب من منطقة الخطر «الألغام»، وزيّن له الشيطان دخولها، فدخلها.
واليوم يقول للناس «ادعوا لي ربنا يخلصني منها»!!
والذي أخذ أول جرعة «هيروين» كان من الممكن ألا يكررها، ولكنه اقترب من منطقة الخطر «الألغام»، وزيّن له الشيطان دخولها، فدخلها، وأصبح الفقير يسرق ويقتل من أجل شراء جرعة!!
ثم يأتي «الجُهّال» ويقولون:
أين النص القرآني على تحريم «الهيروين»؟!
كما يقولون: ما علاقة «الله أكبر» في الصلاة بـ «التدخين»!!
فيا أيها «الأذكياء»، يا من تتبعون الملحدين في أحكام القرآن بغير علم، هل نجعل «الهيروين» حلالًا لأن الله لم ينص على حرمته في القرآن؟!
رابعًا:
إن الله تعالى عندما حرّم «الزنا» لم يقل:
«إنما حرّم عليكم الزِّنَى»
وإنما قال:
«وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلا»
ذلك لأن الإنسان إن وقع في مقدمات «الزنا» فقد وقع في منطقة «مُلغّمة» مكتوب عليها «ممنوع الاقتراب»، فلا يلومن إلا نفسه!!
ولقد بيّن الله علة النهي عن الاقتراب من «الزنا» بقوله تعالى:
«إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلا»
إن كون «الزنا» فاحشة أمر لا يحتاج إلى براهين، فشعوب العالم تعلم ما يحمل من فُحْش بيّن، يؤدي إلى خراب وفساد العائلات والمجتمعات الإنسانية.
ولقد كان «أهل الجاهلية» يرون أن «الزنا» الحلال هو ما كان سرًا، وأن الحرام هو ما كان علنًا، وهو ما يقوله «أهل الجاهلية» اليوم.
فنزل القرآن يُبيّن لـ «الذين آمنوا»، حتى لا يخدعهم «أهل الجاهلية» باسم القراءات المعاصرة، أن «الزنا» المحرم هو فعل «الزنا»، وليس مكان فعله، سواء كان في العلن «ظاهرًا»، أم في الخفاء «باطنًا»، وأكد ذلك بقوله تعالى:
* «وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ – إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ»
و«ظاهر» الإثم ما يراه النّاس، وباطنُه ما لا يطّلع عليه النّاس ويقع في السرّ، فشملت هذه الآية جميع الآثام والمعاصي.
و«باطن الإثم» ليس كما قد يظن البعض ما في النفس من «أفكار ومعتقدات»، لأن هناك آيات تتعلق بهذه المسألة لم ترد فيها كلمة «الباطن»، كقوله تعالى:
* «قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ»
* «وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ»
* «وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ»
* «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ»
فـ «باطن الإثم» هو ما لا يطّلع عليه النّاس ويقع في السرّ، كـ «الزنا» الذي يُحله «الملحدون» بدعوى أنه لم يحدث في «الحديقة» أمام الناس!!
# والسؤال:
هل فاحشة «تدخين السجائر» تحتاج إلى براهين علمية لتقف شعوب العالم على أنها وصلت إلى الحد الأقصى من الفُحش والقبح «ظاهرًا وباطنًا»؟!
فعن أي دليل، وعن أي برهان، على أن «تدخين السجائر» كبيرة من كبائر «الإثم» تبحثون؟!
وإن القول الحق هو:
* «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ» – «وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً»
تدبروا: «أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً»
أي لن يتوقفوا عن إلحادهم حتى يخرج المسلمون جميعا من «دين الإسلام».
خامسًا:
لقد حرّم الله الإسراف في إنفاق الأموال في سبيل الله، وذلك وفق ضوابط تضمن عدم الإضرار بمعيشة المُنفق، فقال تعالى:
* «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ»
* «وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً – إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ»
* «وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً»
فكيف يُنفق مسلم عاقل «جنيهًا واحدًا» لإشعال نار يستنشق دُخّانها، فيدمنها، ثم يقول للناس لن أفارقها إلا عند الموت!!
فلماذا يُصر «المُدخّنون» على «تدخين النار»؟!
هل يستطيع «المُدخِّن» أن يُدخّن سيجارته بدون «نار» تَحرقها؟!
لقد عبدت الشعوب النار، بدعوى أنها تمثل لهم قيمة مضيئة في حياتهم، وأنهم يحتاجون إليها أكثر من احتياجاتهم كلها، فيجعلون لها أخدودًا يُلقون فيه كل ما هو ثمين في حياتهم، تقربًا إليها وتبركًا بها!!
ولقد فعل «المُدخّنون» فعلتهم، فيلقي المدخن بـ «صحته» في نار سيجارته، سعيدًا بنارها التي تسري في مكوناتها السامّة، وهو ينظر إلى دخانها نظرة العبد لسيده.
إننا عندما نصف «شيئًا» بأنه «مؤلمٌ» يكون ذلك بعد الشعور بألمه، وعندما نصف «شيئًا» بأنه «مُحرقٌ» يكون ذلك بعد رؤيتنا لتأثير «الحرق» عليه.
وإن «الحاسة» التي تنقل للإنسان «ألم» الحرق هي حاسة «الذَّوْق» التي تعمل عن طريق طبقات «الجلد» الخارجية، التي تحمل مراكز الإحساس المختلفة، ومنها الإحساس بالألم.
ولقد جاء بيان عذاب جهنم بصور بلاغية كثيرة، منها قوله تعالى لأهل جهنم:
«ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ»
فلماذا «ذُوقُوا»، ولماذا «الْحَرِيقِ»؟!
سادسًا:
لقد اكتشف علم «التشريح»، في القرن العشرين، أن المراكز العصبية التي تنقل الإحساس بالحرارة، وتحويله إلى إحساس بالألم، موجودة في طبقة الجلد.
ولذلك عندما حذر الله الناس ورَهّبْهم من نار جهنم، بيّن لهم أن السبب وراء استمرار وتواصل العذاب هو:
«كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ»
إن «كُلَّمَا» تفيد الاستمرار.
و«نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ» احترقت كلية.
والهدف من ذلك «لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ».
والسؤال:
لماذا تُستخدم «السجائر» في «تعذيب» المعتقلين في السجون؟!
لأن «نار» السيجارة عندما تلمس «الجلد» يشعر الإنسان بألم شديد جدا، لأنها تحرق الجلد حرقًا من الدرجة الأولى أو الثانية، وهي أشد الحروق ألمًا.
لقد سألت هذا السؤال لأحد «المُدخّنين»، وشرحت له كيف يشعر «الجلد» بالأحاسيس المختلفة، ولماذا يُستخدم نار السيجارة في التعذيب، في السجون أو في غيرها، فتركني وذهب!!
وبعد أسبوع، على ما أذكر، اتصل بي هاتفيًا، وقال لي وهو يبكي:
لقد أقلعت نهائيًا عن «التدخين»، بعد عقدين من الزمن، لم تجد خلالهما أي محاولات للإقلاع، فإذا بي كلما تذكرت هذه الصورة الذهنية التي يتم بها التعذيب، ألقيت بالسيجارة على الأرض.
وأنا كلما شاهدت «مدخنًا»، ورأيت نار سيجارته ظاهرة وهو يسحب دخانها، نظرت إليه نظرة المشفق عليه من نار جهنم.
واليوم، يختلف «الجهلاء»، أهل الشهوات، من المسلمين:
هل «التدخين» في نهار رمضان حلال أم حرام؟!
الحقيقة «إلي اختشوا ماتوا» خلاص.
محمد السعيد مشتهري