«وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ»
«وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً»
نعم، يريد أهل الشهوات، قبل رمضان، وقبل موسم الحج، أن يتبع المسلمون إلحادهم في أحكام الصيام، وفي شعائر ومناسك الحج.
إن القضية ليست في هل يُبطل «تدخين السجائر» الصيام أم لا، وإنما في ماهية هذه «السجائر»، وماذا يعني «تدخينها»، وماذا يفعل «الدخان» في جسم الإنسان.
أولًا: التبغ
وهو المكون الأساس للسجائر، وهو يحتوي على أكثر من «٥٠٠» مركب تتوقف خطورتها على نسبتها في السيجارة، وأهمها:
١- الكربون المؤكسد
٢- الفحوم العطرية
٣- الأكرولين والقار والقطران
٤- أول أكسيد الكربون وأكسيد النيتروجين
٥- مركب الأمونيا، ونترات البنزين، والميثانول والميثان
٦ـ النيكوتين، وهي المادة الفعالة في السيجارة، والسبب الرئيس في الإدمان.
ولن أتحدث عن أضرار هذه المواد عندما تصبح دخانًا يدخل جسم المدخن، فقد أصبحت من البدهيّات التي يعلمها الصغار قبل الكبار، ويعلم أطباء العالم نتائجها، كما هو مبيّن في الفيديو المرفق.
ثم عندما تفرض «منظمة الصحة العالمية» على جميع الشركات المنتجة لهذه السجائر، أن تكتب عليها تحذيرات، وتضع صورًا تترك في ذهن المدخن، تنبّيهًا بخطر تعاطيها..، فماذا يعني هذا؟!
ثانيًا:
ولذلك، وبناء على ما سبق، فإن السؤال الذي سيفرض نفسه:
١- لماذا مع كل هذه الأضرار الصحية.
٢- ومع صدور القوانين التي تفرض العقوبات المالية على المدخّنين في وسائل المواصلات، وفي الأماكن المغلقه، بعد أن ثبت ضرر الدخان أيضًا على غير المدخّنين، وهو ما يُسمى بالتدخين السلبي، وقد حرّم الله الإضرار بالآخرين.
٣- ومع إصدار المؤسسات الدينية الرسمية للفرق والمذاهب المختلفة أكثر من فتوى تستند إلى تقارير منظمات الصحة العالمية، والتي تثبت بما لا يدع مجالًا للشك، أن «تدخين السجائر» من «الخبائث» التي حرمها الله بنصوص قرآنية قطعية الدلالة.
لماذا مع كل هذا، يُصر المُدخّنون أن يكونوا عبيدًا للسيجارة!!
إن هذا «الاسترقاق» هو مفتاح تحريم «تدخين السجائر» مطلقًا، وليس في رمضان فقط!!
ثالثًا:
إن استنباط أحكام الحلال والحرام، من القرآن، يقوم على منهجية علمية، تحمل أدوات مستنبطة من ذات النص القرآني.
ويعلم من يحمل هذه المنهجية العلمية أن النص على حرمة الشيء، وأنه كبيرة من الكبائر، قد يأتي بصور متعددة:
١- قد لا ترد مطلقا مادة «التحريم» في السياق، ويكون الشيء أشد حرمة، كقوله تعالى:
أ- «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً..»
والمراد تحريم الشرك، ولم تأت في السياق مادة «التحريم»!!
ب- قوله تعالى:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ»
إن أكل أموال الناس بالباطل «حرام»، ولا توجد مادة «التحريم» في السياق، وإن من أكل أموال الناس بالباطل، الأموال التي يدفعها الناس لشركات «السجائر»، التي تأكل أموالهم بما تبيعه لهم من باطل.
فكيف يكون «المسلمون» من المُدعّمين المموّلين لهذه الشركات؟!
ج- قوله تعالى:
* «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»
فهل عندما يصف الله هذه الأعمال:
«الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالأَنصَاب وَالأَزْلام»
بأنها «رجس»، ومن عمل الشيطان، ويأمر المؤمنين باجتنابها، أي بالابتعاد أصلًا عن المكان الذي توجد فيه، يكون معنى هذا أنها «حلال»؟!
فأين نذهب بقوله تعالى بعدها:
* «إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ»
إن قوله تعالي «فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ» برهان قطعي الدلالة على تحريم هذه الأشياء الأربعة إلى يوم الدين.
رابعًا:
وقد ينص السياق على المحرمات تحديدًا، كقوله تعالى:
* «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ …»
وقد يأتي ببيان صفة المحرمات، كقوله تعالى:
* «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ …»
وكقوله تعالي:
* «وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ»
وهنا علينا أن نرجع إلى المتخصّصين، سواء في علوم اللغة العربية، أو في التخصصات العلمية المختلفة، لنفهم معنى «الفواحش»، ومعنى «الخبائث»، ومعنى «الطيّبات».
١- إذا كانت «المحرمات» تنقسم إلى «فواحش»، و«خبائث»، وسألنا علماء منظمات الصحة العالمية:
هل تعتبرون «السجائر» من «الفواحش»، أم من «الخبائث»، أم من «الطيبات»؟!
فهل هناك عاقل سيقول إنها من «الطيبات»؟!
إن «الخبائث» تقابلها «الطيبات»، والله تعالى يقول:
* «قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ – وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ – فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ – لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»
ولكن أين «أُوْلُوا الأَلْبَابِ»؟!
وأين «المتقون»، «المُفْلِحُون»؟!
خامسًا:
عندما يقول الله تعالى مخاطبًا «الذين آمنوا»:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»
إن كلمة «التقوى» لها أكثر من معنى، والذي يحدده السياق، وعندما تسبقها في هذا السياق كلمة «لَعَلَّكُمْ»، التي تفيد «الترجي»، يصبح المعنى:
أن الله كتب على «الذين آمنوا» الصيام، من أجل التدريب على اتقاء «الشهوات الحرام»، بالامتناع عن «الشهوات الحلال» التي تحبها النفس، حتى لا يكون المرء عبدًا لشهواته.
فكيف يصح صوم «المسلمين» نهار رمضان عن الشهوات المباحة، وهم أصلًا يعبدون شهوة «تدخين السجائر» المحرمة؟!
ولذلك فإن إصرار المُدخّن على «التدخين»، مع كل ما سبق بيانه، خير برهان على أنه عبدٌ لـ «شهواته»، عبدٌ لـ «هواه»، عبدٌ لـ «النيكوتين» الذي يسري في دمه.
أَفَلا تَعْقِلُونَ؟!
سادسًا:
لقد فرض الله صيام شهر رمضان لحكمة بالغة، ولمقاصد عالية، سواء علمها الإنسان أو لم يعلمها، ومنها ضبط النفس وشهواتها، وإصدار إشارات من القلب إلى الجهاز العصبي بالامتناع عما حرمه الله نهار رمضان.
و«القلب المؤمن»، الذي تشرب تقوى الله، فكان القرآن له نورًا، يستيقظ فجر أول يوم من رمضان، وقد تمت برمجة جهازه العصبي بناء على هذه الإشارات، فنجده يشعر بحاجز نفسي بينه وبين هذه فعل هذه الشهوات المباحة.
ولكن القلب غير المؤمن، إذا صبر وصام وتحكم في شهوة التدخين المحرمة، نجده قبل أذان المغرب ممسكًا بـ «السيجارة»، استعدادًا لتكون أول شيء يفطر عليه!!
لقد عاد عصر «الرقيق» في ثوب جديد، وما الحرية التي يشعر بها «المدخّنون» إلا خدعة شيطانية تنكشف حقيقتها عندما يُعطون ظهورهم للبراهين القرآنية المحرمة لفعلهم هذا، ويقبلون أن يكونوا عبيدًا لـ «السجائر»!!
ولكن الذي قد لا يعلمونه أن:
* «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ»
إنهم يعصون الله مع سبق الإصرار، والله تعالى يقول:
* «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ»
إنهم يكسبون «سيئة» مع السيجارة الأولى، ثم «سيئة» مع الثانية، ثم «سيئة» مع الثالثة…، والله تعالى يقول:
* «بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
فهل هناك عاقل يضع «السيجارة» في كفة، و«جهنم» في كفة، ثم يختار «جهنم»؟!
# طبعا أعلم أن هذا الموضوع مثير للجدل، وللجدل العقيم، لذلك أقول:
أنا أتكلم عن تحريم «تدخين السجائر» تحديدًا، لا عن «ملح الطعام» ولا عن «السمنة»، و«العسل»، فمن يريد التعليق عليه الالتزام بشروط التعليق التي أصبحت معلومة للأصدقاء جميعًا.
فعلى الصديق أن يأتي من المنشور بالجملة أو الفقرة التي يريد التعليق عليها، ثم يقول ما شاء، بشرط أن يأتي من كتاب الله ما يؤكد ما ذهب إليه في تعليقه.
وأي تعليق سيخالف هذه الشروط سيحذف، فلم يعد هناك وقت للجدل مع من لا يعلمون أصول الحوار العلمي.
محمد السعيد مشتهري