نحو إسلام الرسول

(107) 7/1/2014 (تدوين “الكتاب الإلهي” في عصر النبوة)

من أنصار “الفُرقة والمذهبية”، الذين كشفوا عن وجوههم الإرهابية، الذين يسفكون الدماء بغير حق، استنادا إلى نصوص مصدر ثان للتشريع، صنعه أئمة سلفهم بأيديهم، وورثه علماؤهم ومشايخهم ودعاتهم بغير علم…، إن هؤلاء يثيرون دائما الشبهات حول كتاب الله من أجل الدفاع عن هذا المصدر المفترى، بدعوى أنه إذا كانت هناك إشكالات حول المصدر الثاني للتشريع، فحول كتاب الله أيضا إشكالات لا تقل عنها، بل وتزيد!!
وهكذا تقف “المذهبية” دائما حاجزا بين المقلدين بغير علم، وبين آليات عمل قلوبهم، آليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر!! ومن هذه الشبهات:
يقولون: إذا كان الدليل على سقوط حجية المصدر الثاني للتشريع [الأحاديث المنسوبة إلى النبي] أن نصوصه لم تُدوّن في حياة النبي، فإن القرآن أيضا لم يُدوّن في حياة النبي، وإلا فأين الدليل على تدوينه في عصر النبوة؟! أقول: الدليل هو:
أولا: القول بأن القرآن لم يُدوّن في حياة النبي، يحتاج إلى دليل من القرآن ذاته، وليس من خارجه، هذا إن كان صاحب الشبهة يؤمن أن القرآن كلام الله يقينا!!
ثانيا: عشرات الآيات القرآنية تشهد أن القرآن دُوّن في حياة النبي، ولم يمت النبي إلا والقرآن في مُدوّن في “كتاب”، يبدأ بسورة الفاتحة، وينتهي بسورة الناس، وإلا لم يكن لتعهد الله تعالى بحفظه فائدة، لأن حفظه فقط في الصدور يعرضه للتحريف، فقد كانت الرسالات السابقة محفوظة في الصدور، وأيضا في الكتب، ومع ذلك حُرّفت، لأن الله تعالى لم يتعهد بحفظها، وأسند ذلك لأهلها، فحرّفوها: “فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ … فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ….” [البقرة 79] ــ “إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا [اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ] وَكَانُوا عَلَيْهِ [شُهَدَاءَ]…” [المائدة 44].
ثالثا: إن فهم القرآن يحتاج إلى منهج، وأدوات…، ومن هذه الأدوات: “السياق القرآني”، و”اللسان العربي”. وأهل “اللسان العربي” يقولون: [الكتاب فعال بمعنى المكتوب، واشتقاقه من كتب بمعنى جمع وضم، لأن الكتاب تجمع أوراقه وحروفه، وتسمية القرآن كتابا إشارة إلى وجوب كتابته لحفظه]. وأيضا في “اللسان العربي” ما يسمى بأسماء الإشارة، ودون دخول في تفاصيل هذا الباب، أقول باختصار: يستخدم اسم الإشارة “ذلك” للتعبير عن الشيء الغائب، البعيد…، واسم الإشارة “هذا” للتعبير عن الشيء المشاهد، القريب، والسياق هو الذي يحدد المعني المعتبر.
رابعا: قد أشار الله إلى الكتاب بـ “ذلك” مرة واحدة فقط، في قوله تعالى في أول سورة البقرة: “ذَلِكَ الْكِتَابُ”، وأشار بـ “بهذا” في المواضع الأخرى، كقوله تعالى: “وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ”..، لماذا؟! لأن سياق آية سورة البقرة يتحدث عن الكتاب بوجه عام، مبينا ما ستؤول إليه الآيات المنزلة، وأنها ستجمع في كتاب: “إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ”، وهي مسألة ظلت غيبية حتى اكتمل الدين، وأتم الله النعمة، لذلك كان الأنسب للسياق استخدام اسم الإشارة “ذلك”، كما يستخدم لبيان علو المكانة والشأن، وفي ذلك إشارة إلى حفظ الله تعالى لكتابه، وقد بيّن ذلك بقوله: “لا رَيْبَ فِيهِ”.
أما اسم الإشارة “هذا”، فيستخدم للإشارة إلى ما كان يتنزل من القرآن، ومُدوّن فعلا بين أيدي الصحابة.
سادسا: هل يُعقل أن يشهد الكافرون بأن ما كان يتنزل على رسول الله من قرآن، كان يُدوّن فور نزوله…، والمسلمون، الذين يدّعون إيمانهم بهذا الكتاب، هم الذين يشككون في تدوينه في عصر النبوة؟!! انظر بماذا كان يتهم الكافرون محمدا، عليه السلام: “وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [اكْتَتَبَهَا] فَهِيَ [تُمْلَى] عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً” (الفرقان5)]!!
وفي “اللسان العربي”: [الاكتتاب؛ افتعال من الكتابة، وصيغة الافتعال تدل على التكلف لحصول الفعل، أي حصوله من فاعل الفعل، فيفيد قوله “اكتتبها” أنه تكلف أن يكتبها].
فسواء كان الذي كتب القرآن هو النبي، أو أن النبي أسند كتابته إلى آخرين، [حتى لا يخرج علينا أنصار “المذهبية” بموضوع آخر عن “أمية النبي”، كعادتهم]، المهم أن الكافرين شهدوا بكتابته، وأن الآيات القرآنية [التي يدّعون أنها أساطير] كانت تُلقى عليه ليكتبها: “فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً”، والإملاء: هو إلقاء الكلام على من يكتب ألفاظه!!

والسؤال: هل قرأ أنصار “الفرقة والمذهبية” القرآن، وتدبروا آياته؟!….لا أظن.

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى