«تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً»
قلت وأقول وسأقول:
يستحيل فهم القرآن بدون منهجية علمية تحمل أدوات مستنبطة من ذات النص القرآني.
ولذلك فإن جميع الآيات التي يُفهم منها أن رسالة النبي محمد خاصة بقومه فقط، يجب أن تُفهم في ضوء:
# علوم اللغة العربية.
# علم السياق.
# ما سبق بيانه في المنشور السابق.
مثال:
يقول الله تعالى:
* «وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا»
إن «واو» العطف ومعها «لام» التعليل، الموجودة في كلمة «وَلِتُنْذِرَ»، هي مفتاح فهم هذه الآية، وهي من بلاغة البيان العربي الفصيح.
لقد فصلت كلمة «وَلِتُنْذِرَ» بين الجملتين، وبيّنت أن لرسول الله مهمتين:
أولًا:
إنذار «الناس جميعًا» الذين كانوا موجودين في عصر النبي، وهذا نفهمه من الجملة الأولى:
* «وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ»
صحيح أن الله لم يقل صراحة لرسوله لتنذر الناس جميعًا، ولكننا نفهم ذلك بما يُسمى في علم السياق بـ «المفهوم الضمني»، الذي يجب أن تؤيده قرائن من القرآن متعلقة بإنزال الكتاب، وهي كثيرة، كقوله تعالى:
* «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً»
أن كلمة «عَالَم» اسم جنس لكل ما يُعلم به الخالق عز وجل، فتشمل عَالَم «الإنسان» و«الحيوان» و«النبات»..، فإذا عُرِّفت «العالمين» وجاءت في سياق فعالية أسماء الله الحسنى، فإنها تشمل العوالم جميعها.
وبرهان ذلك قوله تعالى في سياق قصة موسى عليه السلام:
* «قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ . قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ»
إذن فقوله تعالى:
* «لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً»
برهان قطعي الدلالة، يشهد أن رسالة النبي الخاتم، نزلت للوجود البشري كله.
ثانيًا:
والمهمة الثانية لرسول الله هي إنذار قومه المشركين، وهذا ما بيّنه قوله تعالى:
«وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا»
والسؤال:
أليست «أُمَّ الْقُرَى»، وأليس «مَنْ حَوْلَهَا»، من العالمين؟!
إذن فلماذا التخصيص؟!
إن «واو» العطف، التي جاءت في جملة «وَهَذَا كِتَابٌ» في بداية الآية، تبين أن موضوعها مرتبط بما سبقها، الأمر الذي يفرض علينا تدبر السياق حتى نصل إلى مفتاح الفهم.
والبداية هي قوله تعالى «الآية ٦٦»:
«وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ»
فإذا تدبرنا الآيات التي بعدها نعلم أنها نزلت تواجه تحديات عصر التنزيل، ومواقف المكذبين من المشركين وأهل الكتاب.
ومن باب تأييد النبي، والتخفيف عما كان يضيق صدره به من قومه، يقص الله عليه قصة إبراهيم مع قومه، «الآية ٨٠»:
«وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي»
ثم يتوجه السياق إلى المعاصرين للنبي «الآية ٨٩»:
«فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ»
إذن فمن «هَؤُلاءِ» الذين كفروا برسالة النبي، وخصهم الله بـ «الإنذار»، غير «أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا»؟!
ثالثًا:
إذن هناك إنذار عام حمله القرآن للوجود البشري كله، وقد بيّنت ذلك في كثير من المنشورات، ومنها ما على الرابط المرفق، وإنذار خاص يفهمه «أولوا الألباب» من سياق الآيات.
فيا أيها «الملحدون الجُهّال»:
إن الشمس الساطعة في كبد السماء لا تحتاج إلى دليل يُبيّن أنها «مسمى» لكلمة الشمس التي في قول الله تعالى:
«هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً»
ولا التي في قوله تعالى:
«وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا . وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا»
وبدون أن تكون لكلمة الشمس صورة ذهنية في قلوبكم، «أيها الجُهّال»، فيستحيل أن تتعرفوا على هذه الشمس إذا سألكم سائل «ما هذه»؟!
وهكذا جميع كلمات القرآن، صورها الذهنية خارج القرآن، وهذا معناه أنكم تحرثون في الهواء، وتخترقون قلوب المعجبين بكم بأوهام، يظنون أنها حقيقة، حتى يأتي من يوقظهم من سباتهم.
وها أنا أقول لهم انهضوا من سباتكم، وأغلقوا هذه الأبواب:
١- باب التعامل مع القرآن باعتباره كتابًا تراثيًا كـ «التوراة والإنجيل»، وليس «آية عقلية» حملها كتاب الله الخاتم.
وادخلوا «دين الإسلام» من باب «الآية العقلية القرآنية».
٢- باب الجهل بعلوم اللغة العربية.
وقولوا للذين يعتبرونها «لغوًا»، أنتم كالذين قال الله فيهم:
* «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا – كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً – بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ – وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين»
٣- باب الجهل بعلم السياق، فيقولون لكم:
# نحن نريد معنى «الكلمة»، ولا علاقة لنا بـ «سياقها»؟!
# نحن نريد معنى «الآية»، ولا علاقة لنا بـ «سياقاتها»؟!
فإذا قال لهم «محمد مشتهري»:
أنتم «جهال»، «عشوائيون»، مرضى بـ «الهوس الديني».
وجدوها فرصة للهروب من إفلاسهم العلمي، وأصبحت قضيتهم أسلوب محمد مشتهري الفظ الغليظ!!
طيب يا أذكياء، اتركوا «أسلوب» محمد مشتهري جانبًا، وتعاملوا مع «جوهر» الموضوع، وأسكتوا «محمد مشتهري» بما لديكم من «علم» يثبت أنكم لستم تابعين مقلدين، تحملون ما لا تعلمون، وتقولون ما لا تفهمون!!
محمد السعيد مشتهري
رابط المقال
https://www.facebook.com/mohamed.moshtohry.1/posts/1035637536518128