كل إنسان يستطيع أن يدعي «النبوة»، وأن يأتي بكرامات ومنامات يقُصّها على الناس كدلائل على أنه مرسل من عند الله.
وسواء كان صادقًا أم كاذبًا، فإن هذه الدلائل لن تتعدي أن تكون «حسّية» تراها «الأعين» فتصدقها، أو تكذبها، وهي مرتبطة بحياة من يحملها، فإذا مات ماتت معه، وانتهت «نبوته».
ولقد شاء الله أن يكون رسوله محمد «خاتم النبيّين»، فإن أيده بآية «حسية» فهذا معناه أن رسالته رسالة «قومية» تخص العرب فقط، وتنتهي بوفاته.
فما الذي حدث ويجهله الملحدون في آيات الله وأحكامها؟!
إن الذي حدث أن الله أيد رسوله بـ «آية عقلية قرآنية» لا تنتهي فعاليتها بموته، لعلمه سبحانه أنها رسالة للناس جميعًا إلى يوم الدين.
أولًا:
يقول الله تعالى مخاطبًا الناس الذين كانوا في زمن بعثة رسول الله محمد:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا…»
وكلمة «الناس» عندما تأتي في سياق بيان دلائل الوحدانية وفعالية أسماء الله الحسنى، فإنها تعني شعوب وقبائل العالم أجمع، الذين كانوا موجودين يوم نزلت هذه الآية.
ثانيًا:
يقول الله تعالى مخاطبًا الناس جميعًا:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»
إن القرآن يخاطب في المقام الأول المعاصرين للنبي الخاتم، بجميع مللهم ونحلهم، ثم ينسحب على الناس جميعًا إلى يوم الدين، وفق منهج وآليات التبليغ.
إن الخطاب القرآني يخاطب في المقام الأول الناس الموجودين زمن بعثة الرسول، يذكرهم بنعم الله عليهم ليعبدوه.
ويستلزم الأمر بالعبادة بيان الطريق الموصل إليها، وهذا الطريق هو الإيمان بـ «الآية العقلية القرآنية» الدالة على صدق رسول الله محمد، الذي أمر الله الناس جميعًا باتباعه.
ويقوم الإيمان بصدق «الآية العقلية القرآنية» على إثبات حجيتها، وأنها حقًا من عند الله، وأن من يرتاب في ذلك عليه أن يأتي بسورة من سورها، فقال تعالى بعدها:
* «وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ»
إن واو العطف في «وَإِنْ كُنتُمْ» تعني أن الخطاب لجميع الشعوب والقبائل التي كانت في زمن بعثة رسول الله محمد.
وبرهان ذلك في قوله تعالى:
«قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً»
إن كلمة «الإِنسُ» هي البرهان قطعي الدلالة على أن «النَّاسُ» و«كُنتُمْ» في الآيات السابقة، هم الشعوب والقبائل التي كانت موجودة زمن بعثة رسول الله محمد، وعجزوا عن الإتيان بسورة من مثله.
ثالثًا:
لقد أرسل الله الرسل كلٌ بلسان قومه، فأرسل محمدًا بقرآن عربي نزل باللغة العربية التي كان ينطق بها لسان قومه.
فلماذا نزل قرآنًا عربيًا، وليس انجليزيًا؟!
لم تكن هناك لغة غير «العربية» يمكن أن تحمل أساليب البلاغة والفصاحة والبيان التي نزلت بها نصوص «الآية العقلية القرآنية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد.
ولذلك عندما أتت وفود من شعوب وقبائل العالم لتقف على حقيقة خبر بعثة «النبي الخاتم»، و«الآية العقلية القرآنية» التي يحملها للناس، والتي يستحيل أن يأتي الإنس والجن بمثل سورها.
كان من المنطقي أن يسألوا قوم النبي، الذين هم أهل اللسان العربي:
هل استطاع أحد منكم أن يأتي «بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ»؟!
قالوا: لا.
فأسلم بعضهم ودخل في «دين الإسلام»، وذهب بعضهم يتعلمون «اللغة العربية» لعلهم يستطيعون في يوم من الأيام أن يأتوا بمثل سورة من سور القرآن.
وإنا لمنتظرون!!
إن إنكار حجية «الآية العقلية القرآنية» على الناس إلى يوم الدين، إنكار للشمس الساطعة في كبد السماء، ولكن لقوم يعقلون، لأولي الألباب.
محمد السعيد مشتهري