إن المتابع تعليقات المنشورات الخمسة الأخيرة، يستطيع أن يقف على حجم المصيبة الفكرية العقدية التي يعيش بداخلها “التابعون” لـ “متبوعين” يظنون أنهم على “دين الإسلام”، وهم في حقيقة الأمر على “دين الإلحاد في أحكام القرآن”.
عندما نتدبر السياق الذي وردت فيه “الآية ١٠٦” من سورة يوسف:
“وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ”
نعلم أن الله وصف أكثر المعاصرين لرسوله محمد بـ “الشرك”، بسبب تكذيبهم له، وقد كان حريصًا على أن يؤمنوا، وتصل دعوته إلى قلوبهم، ولكن الله بيّن له حقيقة هامة “الآية ١٠٣”:
“وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ”
كما بيّن لقومه أن الرسول لم يطلب منهم مقابلًا نظير دعوتهم إلى الإيمان برسالته “الآية ١٠٤”:
“وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ”
فلو أنهم كانوا عقلاء، ما كذّبوا “الذكر” الذي حمل “الآية العقلية” الدالة على صدق “نبوته”.
إن القلوب التي لم تؤمن بربها، على أساس “النظر والتفكر” في دلائل “الوحدانية” في الآفاق والأنفس، وذلك من قبل إرسال الرسل، يصعب عليها الإيمان بدلائل “النبوة” بعد بعث الرسل، فقال تعالى “الآية ١٠٥”:
“وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ”؟!
فهل ورث المسلمون عبادة “النظر والتفكر” في آيات الآفاق والأنفس منذ طفولتهم، فآمنوا:
# بـ “الوحدانية” على أساس “علمي”.
# وبـ “صدق النبوة” على أساس “منطقي”.
# وبـ “الآية القرآنية” على أساس “عقلي”؟!
وبناء عليه لم يدخلوا “دين الإسلام” إلا من باب “الآية العقلية القرآنية”، التي بدون وجودها في أيديهم ما استطاعوا إثبات صدق “نبوة” رسولهم محمد؟!
لم يحدث هذا مطلقا، وإنما الذي حدث، أن وقع المسلمون في أسر “الآبائية” المذهبية التي وقع فيها أتباع الملل الأخرى.
وظلوا أسرى هذه “الآبائية” إلى يومنا هذا، كلٌ في سجن الفرقة “العقدية” التي ولد فيها.
فإذا استيقظ أحدهم، أو إحداهن، من سباتهم، وأرادوا خلع لباس “المذهبية”، نراهم جميعًا يخلعون لباس “التراث الديني” للفرقة التي ولدوا فيها، لا لباس الفرقة ذاتها، وهذا هو عين السفه!!
إنك بعد أن دخلت “دين الإسلام” من بابه الصحيح، باب “الآية العقلية القرآنية”، لم تعد لك “أيها الذكي” أي علاقة بالفرقة التي ولدت فيها، ولا بتراثها، وإن أجمع على صحته، أو على بطلانه، “طوب الأرض”!!
فلا “صحة التراث” تلزمك، لأنها تلزم السلفيين الذين يعبدونها من دون الله تعالى.
ولا “بطلان التراث” يلزمك، لأن إذا كان الكشف عنه سيهدي طوب الأرض، فإن الله لن يقبل منهم إيمانًا ولا إسلامًا، لأنهم دخلوا “دينًا” غير دين الإسلام!!
مثال:
إذا دخل أمريكي أو ألماني….، “الإسلام” على يد “سني”، أو “شيعي”..، وأشهر إسلامه على يد نجم من نجوم الدعوة الدينية التابع لفرقة من هذه الفرق.
وسجل ذلك في مؤسسة دينية رسمية، وأنه أصبح “مسلمًا”، هل يكون بذلك قد دخل “دين الإسلام”؟!
كيف، وهذا الباب باب:
* “الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”
كل الحكاية أن عدد أهل السنة، أو الشيعة … زادوا “واحدا”!!
ولذلك جاء قوله تعالى “الآية ١٠٦” بعد ذلك حاسمًا، ومُكذّبًا لكل هذه الادّعاءات:
* “وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ”
وعلى أساس ما سبق، فماذا ستقول لربك إذا مت الآن قبل أن تخلع ثوب الفرقة الذي تعيش بداخله؟!
يقول الله تعالى “الآية ١٠٧”:
* “أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ – أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ”؟!
وهل تعلم متى سيأتيك عذاب الله، أو الموت؟!
إن الله تعالى يقول: “بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ”
ليس أمام “الملياران” مسلم إلا أن يخلعوا ثوب “الفُرقة والمذهبية”، وأن يعيدوا دخولهم في “دين الإسلام” من بابه الصحيح.
إنه “السبيل” الذي أمر الله رسوله أن يعلنه للناس، ولا سبيل غيره إلا “الشرك”، فتدبر “الآية ١٠٨”:
* “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ”
إن كل التوجهات الدينية المعاصرة لنا اليوم، من سلفية، وقرآنية، وعصرية، ومستنيرة، توجهات “مذهبية”، لا علاقة لها مطلقا بـ “سبيل رسول الله”، ولا بـ “إسلام الرسول”، ولا يريدون التحرك خطوة “نحو إسلام الرسول”!!
إن قول الله تعالى لرسوله:
“قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي”
وقوله:
“أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي”
يحمل سؤالًا لجميع المسلمين الذين يعيشون على هذه الأرض:
هل حلقات “اتباع رسول الله” ظلت متصلة إلى يومنا هذا؟!
وإذا كانت الحلقات قد انفكت وتفرّقت وضاعت، وأصبح “الاتباع” لأئمة الفرقة التي يولد فيها الإنسان، فبأي منطق، وبأي نص قرآني، تدّعون أنكم تتبعون “الرسول”؟!
ولذلك ختمت الآية بقول الرسول:
“وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ”
وهناك بيان لهذه الجملة القرآنية في سورة الروم، يشهد بأن المسلمين جميعًا يعيشون في أزمة عقدية حقيقية ولكن يشعرون.
فعندما يقول الرسول:
“وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ”
تأتي سورة الروم وتبين أنهم:
“الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”؟!
إن ما ينشره كل من هب ودب على شبكات التواصل الاجتماعي، تحت راية “الفكر السلفي”، أو تحت راية “التنوير”.
ما هو إلا بدعة وإغواء “الشيطان”، التي ظلت تسري في دماء المسلمين قرونا من الزمن، والشيطان يصفق لهم، وهم لا يشعرون:
* “.. وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ – إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ”
واليوم نرى ونسمع “ضحكات الشيطان” على المسلمين:
* “الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”
بعد أن جعلهم يخرجون يدافعون عن “الوحدانية”، وعن “الرسول”، وعن “القرآن”، وعن “حقوق المرأة” …، بعد أن ألبسه الشيطان لباس “التنوير والمعاصرة”!!
اخلع “لباس الفرقة” التي تعيش بداخلها، لأنه “لباسٌ شيطانيٌ”.
محمد السعيد مشتهري