ذكرت في منشور أمس أن من “مقتضيات” تفعيل “آلية التعقل التحليلي”، أن يكون المسلم مستعدًا للإجابة على الأسئلة التالية بالبراهين القرآنية:
١- ما قيمة “كتاب الله” بين ملايين الكتب؟!
٢- ماذا فعلت “آيات الكتاب” في حياة الناس، وفي حياة “المسلمين” خاصة؟!
٣- ما الفرق بين معيشة المسلمين ومعيشة غيرهم؟!
٤- لماذا تأخر المسلمون عن ركب التقدم الحضاري وتقدم غيرهم؟!
وأن على الأصدقاء توجيه هذه الأسئلة لجميع المفكرين الإسلاميين بمختلف توجهاتهم العقدية، وأن يتدبروا الإجابات عليها، ثم يسألوهم:
ما علاقة ما تنشرونه بهذه الإجابات، التي إن دلت على شيء فإنما تدل على أنكم تعيشون في “غيبوبة” فتنة “ما هو كائن”، وتركتم “ما يجب أن يكون” وراء ظهوركم؟!
أولًا:
لقد قلت بالأمس ما يفيد ذلك، لأبيّن أن “آلية التعقل التجميعي” التي يتبعها “المفكرون الإسلاميّون” عبر قرون مضت، هي التي أخرجت المسلمين من النور إلى الظلمات، فأصبحوا عالة على من تربوا على تفعيل “آليات التعقل التحليلي”.
ولذلك سيكون سؤالي اليوم:
ماذا سيقول المسلمون للملائكة وهم يسألونهم عند الوفاة، كما يسألون الناس جميعًا الذين لم يتبعوا ما أمرهم الله به:
* “فِيمَ كُنتُمْ”؟!
يعني: ماذا كنتم تعملون من أجل الدين الذي أمركم الله اتباعه؟!
وأنا أريد من كل من يقرأ هذا المنشور أن يسأل نفسه:
١- ماذا قدمت لـ “دين الإسلام”، الذي حمله “كتاب الله”، الذي حمل “الآية القرآنية” الدالة على صدق “نبوة” رسول الله محمد؟!
٢- بماذا تعظ الناس على شبكات التواصل الاجتماعي، وما علاقة ما تعظمهم به بما يجب عليك اتباعه؟!
# سيقولون:
* “كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ”؟!
وهذه هي “شماعة” المسلمين من قرون مضت، يعصون الله الذي أمرهم أن يكونوا شهداء على الناس، وأن يخرجوهم من الظلمات إلى النور، ثم يقولون:
“وماذا بأيدينا أن نفعل”؟!
اسألوا المليارين مسلم، لماذا لا يحوّلون بوصلة تدينهم “نحو إسلام الرسول”، لأن اتجاه البوصلة الذي هم عليه اليوم سيصل بهم إلى جهنم، فإنهم أيضًا سيقولون:
“وماذا بأيدينا أن نفعل”؟!
والحقيقة إنها “الآبائية” المتصلة الحلقات، فكل جيل يُصر على اتباع آبائه الذين فرّطوا في وحدة أمتهم، ولا يريدون أن يبذلوا أي جهد لاستعادتها!!
لقد استسلم المسلمون لـ “شيطان الفكر”، واتبعوه، فحول لهم “دين الإسلام” من منظومة تشريعية تتحرك على الأرض، إلى “ترف فكري” يسبح في هواء الإنترنت، ويوضع في المكتبات!!
ثانيًا:
ولذلك جاء رد الملائكة عليهم:
* “قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا”؟!
ولنعلم أن فعالية هذه الآية قائمة إلى يوم الدين، وبرهان ذلك:
أن جميع الدول الإسلامية الموجودة اليوم، تملك الأراضي الواسعة وتملك الحدود والجيوش…، ولكن بأي دين يتدين أفرادها ومؤسساتها الدينية؟!
إذن فالإشكال في “الدين المذهبي” الذي يتبعه المسلمون أتباع الفرق الإسلامية المختلفة، الذي لن يقبله الله، ولو أصبحت هذه الفرق في مكان ومكانة أقوى دولة في العالم!!
لقد استطاعت جماعات أن تنتشر دعوتها حول العالم، وأصبح لها مساجدها، ويتبعها الملايين، وتتسع دوائرها يوما بعد يوم، ولا تتدخل في شؤون البلاد التي تتحرك بداخلها، ولكن حالها عند الله كحال الفرق الإسلامية!!
وهناك من المسلمين من يملكون المليارات، ويستطيعون شراء أراضي و”جزر” بأكملها، يقيمون عليها نماذج لمجتمعات إيمانية، تعيش بـ “دين الإسلام” الذي ارتضاه الله للناس، فلماذا لا يفعلون؟!
لقد ختم الله هذه الآية ببيان مصير الذين يرفعون راية “كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ” فقال تعالى:
* “فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً”
ثالثًا:
ولقد استثنى الله من هذا “المصير السيء”:
* “إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً”
وانظر موقع “الرجال” وسط النساء والوالدان، الذي بيّنه السياق بعدها بقوله تعالى:
“لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً”
وتدبر لماذا قيّد الله بعدها “الْمُسْتَثْنِين” بهذا القيد:
* “فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً”
إن كلمة “عَسَى” تفيد “الرجاء”، الأمر الذي يوحي بأن حتى الذين استثناهم الله من هذا “المصير السيء”، هناك احتمال أن يصيبهم.
وهذا أسلوب من الأساليب البلاغية التي اعتاد السياق القرآني استخدامها عند إرادة تقييد المطلق، وتخصيص العام، وذلك لحكمة قد نقف عليها من السياق، وقد لا نقف.
وما يمكننا فهمه من السياق أن الله أراد باستخدام كلمة “عَسَى” تضييق دائرة “الأعذار” التي تهواها النفس، وتسرع إليها كلما اتسعت، فكان على الذين يتصورون أنهم:
“لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً”
أن يبذلوا أقصى ما عندهم من جهد في سبيل إعادة بناء مجتمعاتهم الإيمانية على قواعد صحيحة، وأول الطريق “البيت المؤمن”.
فلنا أن نتصور ماذا يحدث لو أن كل بيت من بيوت المسلمين أعاد بناء قواعده “الإيمانية” على ما كان عليه رسول الله والذين آمنوا معه، بعيدًا عن القواعد “المذهبية”؟!
ستتغير المجتمعات الإسلامية تلقائيا نحو “إسلام الرسول” بتفعيل نصوص “الآية القرآنية” في حياة المسلمين، وستنتهي قضية “المستضعفين” في الأرض.
ولكن، سأعود إلى ما ذكرته في مبادرة “نحو إسلام الرسول”، وأكرره دائما:
لماذا لا ينظر المسلمون إلى فريضة بناء “البيت المؤمن” نظرتهم إلى “الصلاة” التي يصلونها في بيوتهم وهم “سكارى”؟!
إن مشروعي الفكري لا يدعو إلى “التشاؤم”، ولا يدعو إلى “الاكتئاب”، ولا يدعو إلى مفاهيم “نظرية”!!
إن مشروعي الفكري يدعو إلى “العلم”، فإذا تعلمنا، ووقفنا على حقائق الأمور، ذهب “التشاؤم”، وخرجنا من دائرة “الاكتئاب”، وأصبحنا نرى ما كنا نظن أنه “نظري” واقعًا عمليًا في حياتنا.
محمد السعيد مشتهري