أرسل لي بعض الأصدقاء يسألون عن الفرق بين “العدة” و”الأجل”، حسب وردوهما في السياق القرآني، وعن صحة ما قاله “عدنان الرفاعي” عن الفرق بينهما؟!
أولًا:
كما ذكرت في منشور الأمس، فإن “عدنان الرفاعي” يعتمد في استنباط أحكام القرآن على “منهجية الانتقاء الشاذ” لمعاني الكلمات القرآنية، وعلى منهج “الإيحاء النفسي” بتكرار جملة “قولًا واحدًا”، وجملة “هذه حقيقة لغوية”!!
فإذا ذهبنا إلى “القول الواحد” وجدناه متهافتًا، وإلى “الحقيقة اللغوية” وجدناها باطلة، وقد حمل منشور الأمس بعض الأمثلة.
ثانيًا:
وعندما يتبع أصحاب القراءات العشوائية “منهجية الانتقاء الشاذ” في اختيار معاني الكلمات، التي توافق هواهم، فهم على كل حال يرجعون إلى مراجع اللغة، أما عندما يبتدع “عدنان الرفاعي” معاني لا أصل لها في مراجع اللغة، فإن المصيبة الإلحادية أكبر!!
# يسأله مقدم البرنامج “علاء بسيوني”:
يعني لو طلق الرجل امرأته، ثم راجع نفسه، واعتذرت المرأة له، وردّها وجامعها، فهل هذا صحيح؟!
# عدنان: هذا ينقضه كتاب الله جملة وتفصيلًا.
لأن “العدة” تبدأ بعد وقوع “الطلاق”، وليس العكس.
والمرأة تمكث في بيتها خلال فترة العدة:
“لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ”
“لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً”
لأن المقصود بـ “بَعْدَ ذَلِكَ” أي بعد انتهاء “العدة”، لأن الله يقول:
“فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ”
# أقول:
١- فتعالوا نفهم السياق الذي وردت فيه جملة:
“لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً”
يقول الله في سورة الطلاق “الآية ١”
* “يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ”
ثم بيّن الله حال النساء خلال فترة إحصاء العدة:
* “لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً”
٢- إذن فهو سياق واحد، يحمل “حدود الله” التي سبق بيانها في الآية، والمشار إليها باسم الإشارة “تِلْكَ”، والتي يجب أن تفهم جملة “لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً” في سياقها.
وعليه، وفي ضوء قوله تعالى في سورة البقرة “الآية ٢٢٧”:
“وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”
يكون المعنى إذا عزم الرجل على طلاق امرأته “إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ”، فليكن هذا “العزم” مع أول “طهر” للمرأة “فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ”، ثم بعد ذلك يبدأ العد التنازلي في إحصاء العدة.
ثم يأتي قوله تعالى:
“لا تَدْرِي”، يا من عزمت على إطلاق سراح امرأتك، ماذا سيحدث “لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ” أي بعد عزمك “أَمْراً” يؤلف بينكما، فتعيد العلاقة الزوجية إلى ما كانت عليه.
٣- فماذا قال “عدنان”؟!
قال: انظر إلى هذه الحقيقة اللغوية:
“لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً”
إن الله ما قال يحدث “في ذلك” أو خلال ذلك، “يقصد أثناء العدة”، فلو كان الرجوع مسموح به “أثناء العدة” لقال “خلال”!!
هذا هو صاحب “المعجزة القرآنية الكبرى”، ينقل فعالية هذه الآية إلى سياق لا فعالية لها فيه، حيث تكون “العدة” قد انتهت أصلًا بـ “الآية ٢”:
“فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ”
٤- إن “الآية ٢”، التي تتحدث عن بلوغ “الأجل”، هي أول الطريق إلى الإجراءات:
(أ) إما “الإمساك” والتراجع عن “العزم” قبل انتهاء “العدة”، وكأن شيئًا لم يحدث.
(ب) وإما “الطلاق” فتسطيع المرأة الزواج بآخر في نفس اليوم.
وفي الحالتين يجب أن يقيموا الشهادة:
“وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ”
فإذا اتبعنا قراءة “عدنان” للآية، فهذا معناه، كما قال “محمد شحرور” أن “العزم” يُحسب “طلقة”، ويقيمون “الشهادة”، ثم تبدأ عملية إحصاء “العدة”، وفي نهايتها:
(أ) إما “الإمساك”، ويصبح عندنا “طلقة أولى” طلقة “العزم”.
(ب) وإما “التسريح”، فتصبح المرأة مطلقة “طلقة ثانية”، لأن “الإشهاد” نص عليه الله بعد “الإمساك” أو “الفراق”!!
أي أن المرأة، حسب قراءة “عدنان” طُلّقت طلقتين:
“الأولى” في أول العدة، و”الثانية” بعد ثلاثة شهور، أي في نهاية العدة!!
“أَفَلا تَعْقِلُونَ”؟!
ثالثًا:
ومن منطلق “منهجية الانتقاء الشاذ” يستغل “عدنان” عدم دراية معظم المشاهدين بعلوم اللغة العربية، ويأتي ببديهة يعلمها طالب الإعدادي، وهي الفرق بين “إذا” و”إن”!!
أراد “عدنان” أن يحرف مفهوم آيتين لبيان أن الرجل يحرم عليه إمساك المرأة، وإعادة العلاقة الزوجية بينهما، قبل انتهاء “العدة”.
فيقول:
إن “إذا” تعني “حتمية الوقوع” في كل الحالات، وهناك آيتان في بيان ذلك:
١- “وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ…”
لقد استخدم “فَإِذَا بَلَغْنَ” لبيان أن كل النساء المتوفى عنهم أزواجهن يجب أن يبلغن هذا الأجل.
ونفس المرأة يخاطبها الله بقوله:
“وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ…”
فاستخدم “فَإِنْ خَرَجْنَ”، وليس “فَإِذَا”، لأن بعضهن سيخرج وبعضهن لا يخرج، فلا حتمية لوقوع الحدث هنا.
٢- قال هذا ليصل إلى نتيجة وهي قوله بعد ذلك:
إذن فقوله تعالى:
“فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ”
يؤكد أن جميع المطلقات يجب أن يبلغن الأجل قبل العودة إلى الحياة الزوجية، يعني الإمساك والفراق يكون في نهاية العدة.
فلو كان هناك احتمال رجوع المرأة إلى عصمة زوجها أثناء العدة لقال تعالى:
“فإن بلغن أجلهن”
٣- أقول:
هذا ما أطلق عليه الفلاسفة، “الهرمنيوطيقا”، وذكرته في منشور سابق، لأنه لا علاقة مطلقا بالفروق اللغوية بين “إذا”، و”إن” بما ذهب إليه “عدنان” في تأويل الآيتين تأويلًا شاذًا!!
ذلك أن قوله تعالى في آية التربص:
“فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ…”
تتحدث عن بلوغ أجل “العدة”، أما قوله تعالى في آية الوصية:
“فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ…”
فتتحدث عما بعد بلوغ “العدة”، ليكون معناها:
“فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ …. فـ خَرَجْنَ … فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ…”
لأن خروجهن يجب أن يكون بعد انتهاء “العدة”.
فليس هناك حقيقة لغوية ولا كشف جديد وإنما “الهرمنيوطيقا”!!
رابعًا:
إن الفرق بين “العدة” و”الأجل” أن “العدة” ينظر إليها باعتبارها فترة زمنية لها أول ولها آخر، أما “الأجل” فينظر إليه نفس النظرة ولكن باعتبار إما “فترة الإمهال”، أو “وقت انتهائه”.
مثال على “فترة الإمهال”:
١- “عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ … قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ”
فهنا فترة “الإمهال”، فترة “الأجلين”، في “ثَمَانِيَةَ” و”عَشْراً”.
٢- “فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ”
وهنا انظروا إلى بلاغة القرآن وإحكام منظومته التشريعية.
لقد استخدم “العدة”، أي فترة “الإمهال”: “ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ”
واستخدم في ذات السياق “العدة” بمفهوم “الأجل”:
“أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ”
وذلك لتداخل عدتين في هذه الحالة، فهناك احتمال أن تكون النساء أولات الأحمال من الذين توفي أزواجهن، فهنا تكون العدة:
“يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً”
مثال على انتهاء “الأجل”:
١- “فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ”
٢- “وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ”
محمد السعيد مشتهري