كتب الصديق Lieben Geschichte يقول:
“كلامك جميل جدًا، وأنا سمعت كلامًا واضحًا وأعتقد أنه أكثر وضوحًا من كلامك، وهو كلام المهندس عدنان الرفاعي في المعجزة الكبرى عن الطلاق في حلقتين رائعتين هل اطلعت عليهما؟ أرجو منك ان تطلع عليهما، إن لم يتسن لك ذلك وأن تعلق عليهما”.
والحقيقة أنا لا أكتب أي منشور للرد على منكرات أصحاب القراءات القرآنية الشاذة إلا بعد اطلاعي على كل ما هو تحت يدي من مادة علمية تتعلق بهذا الموضوع، ومن ذلك ما قاله “عدنان الرفاعي” عن أحكام الطلاق.
فتعالوا نقف على الأخطاء المنهجية والعلمية التي وقع فيها “عدنان الرفاعي” عند حديثه عن أحكام الطلاق.
أولًا:
“الهرمنيوطيقا” – “Hermeneutics”
منهج يتبعه الفلاسفة في تأويل النصوص، يقوم على البحث في مراجع “اللغة والمنطق وعلم النفس” وانتقاء الآراء التي توافق مذاهبهم الفلسفية، بناء على أفكار مسبقة في أذهانهم.
ثم يصنعون من هذه الآراء المجمعة مادة فلسفية تثير الجدل حولها، كما يفعل اليوم أصحاب القراءات القرآنية الشاذة.
ثانيًا:
يرى عدنان الرفاعي، في حواره مع علاء بسيوني، أن الحكمة من توجيه الخطاب إلى النبي في قوله تعالى في سورة الطلاق:
“يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ”
هي بيان أن النبوة نقاء النفس … إلى آخر ما قال.
ولم يلتفت إلى الحكمة في عدم توجيه الخطاب إلى المؤمنين ليناسب ضمائر “الجمع” الواردة في الآية، ليكون السياق:
“يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم النساء”
إن الحكمة في توجيه الخطاب إلى النبي بـ “يا أيها النَّبِيُّ”، وأسناد تطليق النساء إليه “إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ..” حكمة ظاهرة.
فالله تعالى لم يجعل قرار الطلاق بيد الزوجين فقط، وإنما من خلال مؤسسة معنية بشؤون الطلاق تتبع الحاكم مباشرة.
ثالثًا:
فهم “عدنان الرفاعي” لقوله تعالى:
“لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ..”
يقول: إن كلمة “يُؤْلُونَ” لا علاقة لها بالحلف لا من قريب ولا من بعيد.
“يؤلون” تعني “يمتنعون يبتعدون يُقصرون”، وقد جاءت هذه الكلمة في موضعين آخرين.
ثم ذكر الموضعين، ولا علاقة لهما مطلقًا بالمعنى المطلوب لسياق “يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ”!!
أقول:
١- إن أي باحث في مراجع اللغة العربية يعلم أن لكل كلمة أكثر من معنى، وأن السياق هو الذي يحدد المعنى المناسب للسياق.
فلماذا اختار “عدنان” من مراجع اللغة معنى “يمتنعون” الذي لا علاقة له بسياق الآية، وترك المعنى الذي بدأت به معظم المراجع، والذي يتناغم مع سياق الآيتين “٢٢٥-٢٢٦” المتعلقتين بأحكام الحلف “الأيْمَان”، وهو:
أن “الإيلاء” مصدر آلى، أي: حلف، “آليت على نفسي”، أي أقسمت و”الْأَلِيَّةُ” الْيَمِينُ، وَجَمْعُهَا “أَلَايَا”.
خاصة وأن قوله تعالى “لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ…” جاء عقب هذه الأحكام.
٢- ليس بمراجع اللغة وحدها نفهم القرآن، وإنما من خلال “منظومة التواصل المعرفي” التي نقلت لنا “مسميات” الكلمات القرآنية التي كان يعلمها العرب قبل نزول القرآن.
لقد فهموا “يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ” بمعنى يحلفون أن يعتزلوا “مِنْ نِسَائِهِمْ”.
ولم ينص الله صراحة على ذلك لأن هذا من أساليب البيان في القرآن التي عرفها العرب، وحملتها آلاف الآيات، ومنها ما يُفهم “ضمنيًا” من السياق.
لقد فهموا أن في الآية محذوف وهو “أن يعتزلوا”، ودل عليه:
(أ) العرف، أي ما كان متعارفًا بينهم قبل نزول القرآن.
(ب) ورود آية “الإيلاء” بعد أحكام “الإيْمِان” مباشرة.
٣- غير صحيح ما ذكره “عدنان” من أن حرف “مِنْ” في “مِنْ نِسَائِهِمْ” يعني أن نشوز “المرأة” هو سبب امتناع الرجل عنها، بدعوى أن الله لو أراد بيان أنه من الرجل لقال تعالى “عن نسائهم” وليس “مِنْ نِسَائِهِمْ”!!
والحقيقة لا علاقة مطلقا بين “مِنْ” و”عن” بهذه النتيجة التي وصل إليها، لأن الآية صريحة في أن “الإيلاء” قرار الرجل بصرف النظر عن أسبابه!!
رابعًا:
الفهم الخاطئ لقوله تعالى:
“وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”
يقول عدنان: لا يحق للرجل أن يهجر ويبتعد عن زوجته أكثر من أربعة أشهر، وإن أصروا على الفراق، فقد وقع الطلاق!!
١- أقول:
إذن تصبح المرأة مطلقة طلقة أولى في نهاية “الأربعة شهور”، والحقيقة أن الآية لم تتحدث مطلقا عن “الطلاق”، وإنما تحدثت عن “عزم” الطلاق.
والغريب أن “علاء” عندما سأل “عدنان” عن لماذا لم يذكر لفظ الطلاق صراحة في هذه الآية، كان رده:
إذا امتنع الزوج عن المعاشرة الزوجية أربعة شهور، وقع الطلاق، سواء تلفظ به الزوج أم لم يتلفظ، وتبدأ عملية إحصاء العدة “ثلاثة أشهر”، لتصبح المدة “سبعة أشهر”.
فهل هذا يُعقل شرعًا وفهمًا وتدبرًا للسياق؟!
٢- نلاحظ هنا قول “عدنان”:
“إذا امتنع الزوج عن المعاشرة الزوجية”
وقد سبق أن سأله “علاء”:
هل التركيز في “الإيلاء” على علاقة الفراش، أم على العلاقة الزوجية كلها؟!
فكان جوابه: علاقة الفراش أول شيء، لأن الله يقول: “لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ”!!
إذن فلماذا قال في البداية إن “الإيلاء” لا يتعلق بالعلاقة الزوجية؟!
خامسًا:
الفهم الخاطئ لقوله تعالى:
“وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ”
يقول “عدنان”:
كلمة “قروء” من جذر “قرأ”، أي تستقرئ “تستنبط” المرأة إن كانت حاملًا دورة الإخصاب عندها قبل أن تحمل، فـ “المطلقة الحامل”، التي لا تحيض، تستقرئ كم كانت دورة الإخصاب عندها قبل أن تحمل، ثم تضرب الرقم في ثلاثة!!
ثم ننظر ونتدبر ماذا قال بعدها:
أما “وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ” فالله هو الذي استقرأ لهن فقال:
“فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ”!!
١- أقول:
وهذا هو التطبيق العملي لمنهج “الهرمنيوطيقا”!!
فلا أعلم من جاء بأن كلمة “قروء” من جذر “قرأ”، أي تستقرئ…؟!
إن جذر “القرء” “قرو” على وزن “فَعْل”، ويعني الوقت المعتاد تردده، و”أقرأت” المرأة فهي “مُقْرئ” أي حاضت.
و”الإقراء”: حضور الوقت، يقال: أقرأَتْ حاجةُ فلان عندي: أي دنا وقتُ قضائها، و”أقرأ” النجمُ: أي حان وقت طلوعه وغروبه.
٢- ثم يطبق نظريته في المعجزة الكبرى، فيقول:
إذا نظرنا إلى قوله تعالى وهو يخاطب الرجال:
“يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ”
فقيمتها العددية “٢٦٢”
وفي البقرة يخاطب الله النساء بقوله تعالى:
“وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ”
وقيمتها العددية “٢٦٢”، نفس القيمة العددية!!
وقد سبق أن بيّنت له في مكتبي تهافت المنهجية التي أقام عليها “المعجزة الكبرى”، وقد سبق بيان ذلك على هذه الصفحة في الروابط المرفقة.
وأخيرا
والحقيقة أن هناك عشرات الأخطاء المنهجية والموضوعية في ما ذكره “عدنان الرفاعي” في الحلقتين عن أحكام الطلاق، ولولا طلب الصديق الرد على ما جاء فيهما ما التفت إليهما.
إن كل ما بني على باطل فهو باطل، وتكفي مسألة واحدة من المسائل السابق بيانها في هذا المنشور لهدم كل ما جاء من نتائج ثمرة قراءة “عدنان الرفاعي” لموضوع الطلاق وأحكامه.
محمد السعيد مشتهري
الروابط:
عدد الركعات وبدعة الإعجاز العددي
https://islamalrasoul.com/493-2472016/
المعجزة الكبرى وفتنة العدد ١٩
https://islamalrasoul.com/495-2672016
تابع منشور..المعجزة الكبرى وفتنة العدد ١٩