منذ فترة، وأنا لا أريد فتح ملف مصطفى الراوي، وأنا أعلم أن معظم أفكار منشوراته، ما هي إلا إعادة صياغة للأفكار التي ينقلها من هنا وهناك، بأسلوب يُشوّهها، وذلك لكفره بعلوم اللغة العربية.
ولكن، عندما يصل به الأمر إلى استخدام عنوان كتابي:
“السنة النبوية حقيقة قرآنية”
الذي انفرد به مشروعي الفكري، وصدر منه الجزء الأول، ويكتب سلسلة من المنشورات بعنوان:
“السنة بين الحقيقة القرآنية والضلال التراثي”
دون أن يشير إلى صاحب هذه الفكرة، هنا يجب أن تكون لي معه وقفة “علمية”، تُبيّن تهافت توجهه الفكري من قواعده.
منشوره الأول:
* “السنة بين الحقيقة القرآنية والضلال التراثي 1”
١- يقول:
“في المقال السابق تكلمت عن المفردة القرآنية والفعل الذي لا يتغير عمله، ولكن من الممكن أن تتغير أدوات عمل الفعل”
# أقول:
إنه يُعلن ليل نهار، أنه “كافر باللغة العربية”، وأنه يفهم القرآن دون الاستعانة بعلومها.
والسؤال:
فبأي لغة قرأ “مصطفى الراوي” القرآن، وأين تعلّمها، ومن كان له الفضل الأول عليه أن استطاع أن يكتب وهو في المرحلة الابتدائية، جملة عربية مفيدة، من فاعل ومفعول؟!
ثم يأتي اليوم، ويقول لأتباعه:
“تكلمت عن المفردة القرآنية والفعل الذي لا يتغير عمله، ولكن من الممكن أن تتغير أدوات عمل الفعل”!!
وللأسف لم يقل له أحد منهم، من أين جئت بأن للفعل عملًا، وأن لعمل الفعل “أدوات” تتغير؟!
هل في كتاب الله ملحق يُبيّن علوم اللغة العربية وقواعدها؟!
٢- يقول:
“وأن القرآن لسان وليس لغة، فالسان هو الصيغة اللفظية المنطوقة والتي لا تخضع لأي قواعد لغوية من تأليف بشر، فالمفردة هي التي تحدد معناها حسب موقعها في السياق”
# أقول:
(أ) كلمة لسان عندما تُعرّف بأل التعريف تكتب هكذا “اللسان”، وليس “فالسان” كما ذكر.
(ب) عندما يتبع الكاتب منهجًا عشوائيًا في كتاباته ولا يذكر المصادر التي يستقى منها معلوماته، ثم يتقبل منه الناس ذلك، فقد جعلوا منه فرعونًا، يأمر فيطاع، ويكتب فيعجب الناس!!
(ج) لا قيمة لأي “كلمة” في أي لغة من لغات العالم، دون معرفة “مُسمّاها” الدال على معناها، والموجود خارج الكلمة.
(د) يستحيل أن نفهم كلمات القرآن دون سابق معرفة بـ “مُسمّى” كل كلمة، الموجود خارج القرآن.
فإذا لم ير شخص الشمس، “المُسمّى”، وجئنا له بكلمة الشمس، “الاسم”، حسب لغته، فيستحيل أن يفهم معناها.
والسؤال:
كلمة “اللسان” اسم، فما هو “مُسمّاه” الدال على معناه؟!
ومن أين جاء “مصطفى الراوي” بأن معنى “مُسمّى” كلمة “اللسان” هو:
“الصيغة اللفظية المنطوقة، والتي لا تخضع لأي قواعد لغوية”
فهل هذا المعنى موجود في كتاب الله؟!
(هـ) عندما يقول:
“فالمفردة هي التي تحدد معناها حسب موقعها في السياق”
وهذه قاصمة من مئات القواصم، التي قصمت ظهر منشوراته، من الناحية العلمية، وكنت لا أريد فتح ملفها.
يقول الله تعالى في سياق بيان المحرمات من الأطعمة:
“حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ…”
لقد حملت هذه الآية “أسماء” أشياء محرم أكلها، ويستحيل فهم دلالاتها دون سابق معرفة بـ “مُسمّياتها”، من خارج القرآن.
فإذا وضعنا هذه “الكلمات” أمام أي إنسان لم تحمل ذاكرته المعرفية “مُسمّياتها” الدالة على معناها، فيستحيل أن يفهمها ولو كانت وسط سياقات القرآن كلها!!
وهذا هو مثال من مئات الأمثلة المنشورة على الصفحة، يكفي لهدم كل ما ينشره “مصطفى الراوي”، فكيف نفهم المعنى الواضح لهذه الكلمات من داخل سياق الآية:
“الْمُنْخَنِقَةُ” – “الْمَوْقُوذَةُ”- “الْمُتَرَدِّيَةُ” – “النَّطِيحَةُ”؟!
* أما باقي المنشور، فلا يحمل شيئًا يستحق الرد عليه.
وسأغض الطرف بعد ذلك عن أسلوبه الأعجمي، الذي لا يُحسن كتابة جملة واحدة يمكن أن تُفهم حسب أصول اللغة العربية.
المنشور الثاني:
* “السنة بين الحقيقة القرآنية والضلال التراثي 2”
يقول:
“سنة الله هي أسس حركة الكون فهي المحرك الذي يتحرك من خلاله هذا الخلق فهي قانون الحركة الذي وضعه الله للكون”
# أقول:
الذي يقرأ مقدمة كتابي “السنة النبوية حقيقة قرآنية”، ثم يقرأ ما كتبه “الراوي” في هذا المنشور، يستطيع أن يقف على حجم مأساة نقل الأفكار دون وعي لموضوع المنقول، فتخرج للناس مشوّهة.
وسأكتفي بذكر فقرة من هذه المقدمة، لأنها المحور الأساس الذي دارت حوله منشوراته، وقام بتشويهها، ولم يستطع الوصول إلى دلالاتها الحقيقية، وهي قولي:
“فالنص القرآني هو المرجعية الحقة للسنة النبوية، إنه الحـق الثابت الذي لا يأتيه الباطـل من بين يديه ولا من خلفه، فالله تعالى حـق، ورسوله حـق، وكتابه حـق، فبديهي أن تستقي السنة النبوية من مصدر حق”.
ثم قولي بعدها:
“لذلك لا يمكن اعتبار تراث البشر الديني وأحاديثهم الروائية التي قامت على اجتهادات الإخباريين والمحدثين ومدارسهم المذهبية في التصحيح والتضعيف من النصوص التي يمكن أن تستقى منها السنة النبوية”.
ثم قولي بعدها:
“فهذه كلها من الأخبار الظنية الثبوت، التي يستحيل أن تقوم عليها حجية نصوص السنة النبوية، تلك التي تستمد حجيتها من حجية كتاب الله نفسه، الذي نزل بالحق وبالحق نزل”.
والسؤال:
ألم يكن من حكمة الدعوة، أن يكتفي “مصطفى الراوي” بنقل هذه الفقرات السابقة منسوبة إلى صاحبها، لتوصيل الرسالة التي يريدها أن تصل إلى أتباعه؟!
فماذا أضافت الخمسة منشورات إلى الموضوع غير تشويه أفكاره؟!
* أما باقي المنشور، فلا يحمل شيئًا يستحق الرد عليه.
المنشور الثالث:
* “السنة بين الحقيقة القرآنية والضلال التراثي 3”
يقول:
في سياق حديثه عن آية سورة الإسراء:
“سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً”
“أي كل ما حدث لك يا محمد وسيحدث لك طوال بعثتك هو سنة من قد أرسنا قبلك من رسلنا، فهي سنة الله وليست سنة الرسل، كما فهم أهل المذاهب، والدليل من الآية نفسها التي تفضح فهمهم “وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً”.
# أقول:
كلمة “سُنّة” كلمة “عربية” لها “مُسمّى” كان يعلمه العرب قبل نزول القرآن، فإذا أضيفت إلى كلمة أخرى أصبحت جملة.
فماذا تعني كلمة “سُنَّة” قبل أن تصبح في “جملة مفيدة”؟!
فإذا عرفنا أنها تعني “طريقة أداء الفعل الثابتة المطردة التي لا تتخلف” نستطيع أن نقول:
إن “السنة” عندما تُضاف إلى “الرسل” تعني الطريقة الثابتة التي كانوا يتبعونها في حياتهم، والتي لا تخرج عن حدود ما أنزله الله في كتابه.
فكلمة “الصلاة” اسم معرف بأل التعريف، لا يوجد له “مُسمّي” مطلقا في كتاب الله، وإنما “مُسمّاه” خارج القرآن.
فعندما يأمر الله رسوله بـ “إقام الصلاة”، فهذا أمر بأداء “فعل” لم ينزل القرآن ببيان كيفية أدائه.
إذن، فإما:
١- أن يكون بيان هذه الكيفية قد سقط من القرآن، فلم يصل إلينا، وهنا تسقط حجية القرآن أصلًا.
٢- أن يكون الله تعالى شاء أن تتناقل الأجيال المسلمة هذه الكيفية بصورة “عملية”، وليس من خلال نص مقروء، فبيّنها لرسوله بطريق من طرق الوحي غير القرآني.
ثم نقل المسلمون، بالتقليد والمحاكاة، “الأصول العامة” لهذه الكيفية، من قيام وركوع وسجود، وعدد الصلوات، وعدد الركعات، حتى وصلت إلينا اليوم.
وهذا هو “الحق” الذي شهد به القرآن، وشهدت به “منظومة التواصل المعرفي”، وشهد به “مُسمّى” كلمة “الصلاة”.
ولذلك، عندما نضيف كلمة “السنة” إلى “الرسول” ثم نُقيّدها بـ “الصلاة”، ونقول:
لقد كانت “سنة الرسول في الصلاة” كذا وكذا …، لم نخرج عن حدود ما أنزله الله على رسوله، باعتبار أن “مُسمّيات” كلمات القرآن موجودة على أرض الواقع خارج القرآن، وليس بداخله.
* أما باقي المنشور، فلا يحمل شيئًا يستحق الرد عليه.
المنشور الرابع:
* “السنة بين الحقيقة القرآنية والضلال التراثي 4”
في الحقيقة لم أجد فيه شيئًا يستحق التعليق.
المنشور الخامس:
* “السنة بين الحقيقة القرآنية والضلال التراثي 5”
يعتمد هذا المنشور على بيان الفرق بين كلمة “سنة”، وكلمة “سنت”، واللافت للنظر:
١- أن هذا الموضوع خارج عن سياق العنوان الذي اختاره لهذه السلسلة من المنشورات، لأنه من باب “رسم الكلمة القرآنية”.
٢- أن كل ما كتبه عن هذا الموضوع منقول عن آخرين، وليس عيبا، ولكن كان يجيب أن يذكر مصدره.
٣- يعترف بإضافة كلمة “السنة” إلى “البشر” فيقول:
“وإلى مفردة سنت والتي جاءت في ثلاث آيات عبر ثلاث سور والتي سيتبين لنا من خلالها أن سنة البشر هي الكفر، والذي يتبعه شرك، فكل كفر بآيات الله لابد أن يتبعه شرك وسنوضح ذلك”!!
ومن قال إن كل “كفر” بآيات الله لابد أن يتبعه “شركًا”؟!
هناك “كافرون” بوجود الله أصلًا، لا علاقة لهم بالآيات ولا بالشركاء!!
٤- إن قضيتنا ليست في بيان الحكمة من ورود كلمة “السنة” بالتاء المغلقة، أو بالتاء المفتوحة “سنت”، وإنما في مفهوم الكلمة ذاتها.
ففي سورة الفتح “الآية ٢٣” نجد كلمة “سنة” بالتاء المغلقة:
“وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً”
وفي سورة فاطر “الآية ٤٣” نجد كلمة “سنت” بالتاء المفتوحة:
“فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً”
والصياغة واحدة، والمعنى واحد.
أما لماذا جاءت كلمة «السنة» في موضع بالتاء «المغلقة»، وفي آخر بالتاء «المفتوحة»، فهذه مسألة تتعلق بباب “رسم الكلمة القرآنية”.
ويكفي أن تكتب على محرك البحث:
“الفرق بين سنة وسنت”
فتظهر لك عشرات الصفحات، تنقل منها ما تشاء، وتكتب مقالًا، وتصبح مفكرًا إسلاميًا، واحتمال تكون “نجمًا فضائيًا”.
وأخيرا
أنصح بقراءة مقدمة كتاب «السنة النبوية حقيقة قرآنية»، مع على موقعي، ثم قراءة الخمسة منشورات التي كتبها «مصطفى الراوي»، وأنتم تقفون على مأساة تشويه «الحقيقة القرآنية» عندما يتعامل معها من لا دراية لهم بعلوم اللغة العربية.
محمد السعيد مشتهري