لقد نزل القرآن على قلب النبي محمد، عليه السلام، لتستقبله آليات عمل القلب، آليات التعقل والتفكر والتدبر والتفقه والنظر..، فتقوم بتفعيله في حياة الناس، لإخراجهم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان.
لقد أحيا القرآن قلوبًا ميتة، وقف “الكفر” حاجزًا بينها وبين إحيائها، فلم يُمكّنها من تفعيل آليات عملها، وبعد أن قاموا بتفعيلها ودخلوا في “دين الإسلام”، حذرهم الله من العودة إلى الكفر.
أولًا:
يقول الله تعالى في سورة آل عمران “الآية ١٠١”:
* “وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ…”
إذن فـ “الرسالة الإلهية”، التي بين أيدي المسلمين اليوم، هي طوق النجاة الوحيد العاصم من الكفر، والهادي إلى صراط الله المستقيم:
* “… وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”
إن الذين يقرؤون سورة الفاتحة، ويدعون ربهم:
“اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ”
وهم ينتمون إلى دين غير الدين الذي ارتضاه الله للناس، وهو دين الفرق والمذاهب العقدية المختلفة، “التي ظهرت بعد وفاة النبي”، ويعيشون داخل منظومة تراثها الديني، سواء كان ذلك باتباعه وتقديسه، أو بمخالفته وذمه.
علينا أن نسألهم:
على أي أساس منطقي، قبل أن يكون شرعيًا، تطلبون من الله في دعائكم:
“صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ – غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ”؟!
ثانيًا:
ولقد خاطب الله “الجيل الأول” من المؤمنين، بقوله تعالى بعدها “الآية ١٠٢”:
* “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ”
فهل تدبّر المسلمون يومًا معنى صيغة “نهي التحريم”، الذي حملته “لا” الناهية الجازمة، التي خاطب الله بها “الذين آمنوا”:
“وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ”؟!
وهل وقفوا على حقيقة “دين الإسلام” الذي يجب أن يموت عليه “المسلمون”، وهل هو ما عليه أتباع المذاهب العقدية والفقهية للفرق الإسلامية المختلفة؟!
ثالثًا:
الحقيقة، لو أن الإجابة على هذا السؤال وقع أثرها في “قلب” كل مسلم، وليس على بصره فقط، لتوقف عن الحديث عن أي شيء يتعلق بـ “دين الإسلام” حتى يعرف “رأسه من رجليه”.
وهذه هي الإجابة، فتدبر:
* “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا”
* “وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً”
* “وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا”
* “كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”
ثم أعاد صيغة “نهي التحريم”، الذي حملته “لا” الناهية الجازمة في “وَلا تَمُوتُنَّ”، فقال تعالى “الآية ١٠٥”:
* “وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”
فهل جاءت “الْبَيِّنَاتُ” للمسلمين، إذن فلماذا “تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا”؟!
رابعًا:
الحقيقة التي لا يعلمها “المفكرون الإسلاميّون”، من السلفيّين، والقرآنيّين، وأصحاب القراءات القرآنية المعاصرة والتنويرية:
أنهم يعيشون حياتهم الفكرية “ينفخون في قربة مثقوبة”!!
إنهم لا يعلمون شيئًا عن هذا القرآن، وإلا ما أعطوا ظهورهم لكل التحذيرات التي حملها “كلام الله” لهم في كتابه، ومنها قوله تعالى بعدها:
* “يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ”
* “فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ”
* “أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ”
* “فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ”
فهل تدبر “ملياران مسلم” هذه التحذيرات، أم يمرون عليها مرور الغافلين عن مصيرهم ومصير آبائهم الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا؟!
أما الذين التزموا السير “نحو إسلام الرسول”، ولم ينحرفوا عنه خلال رحلتهم الإيمانية، حتى توافهم الله، فمصيرهم:
* “وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ”
* “فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”
وسيقف معظم المسلمين أمام هذه الآيات وهم في حالة “ذهول”، فهل معقول أن يكون هذا هو مصير أتباع الفرق والمذاهب العقدية المختلفة منذ أن تفرقوا في الدين، فأين “الرحمة الإلهية”؟!
والجواب نجده في ختام هذه المجوعة من الآيات حيث يقول تعالى:
* “تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ”
خامسًا:
إن طوق نجاة المسلمين ليس في أن نبيّن لهم أن تراثهم الديني باطل، وأن أحكام القرآن “أكذوبة”..، إلى آخر منظومة “التغييب العقلي”، و”الهوس الديني”، التي يعيش بداخلها من يُسمّون بـ “المفكرين الإسلاميين”.
إن هذا الطريق هو طريق “المفلسين” إيمانيًا وعلميًا وعقليًا.
إن الطريق هو “صراط الله المستقيم”، الذي يبدأ بخروج المسلمين من قبورهم التراثية ومسح كل ما علق منها في أذهانهم، ثم دخولهم “دين الإسلام”، وهم على يقين أن رسول الله بينهم اليوم.
فهل لن يقبل “الرسول” إسلامك إلا بعد أن تسجل مئات الفيديوهات في نقض تراث فرقتك الجاهلي الديني؟!
فهل لن يقبل “الرسول” إسلامك إلا بعد أن تسجل مئات الفيديوهات في شتم “البخاري” و”الكافي”؟!
ما هذا التغييب العقلي “الإيماني” الذي يعيش بداخله المسلمون؟!
إن المسلمين ليس أمامهم للدخول في “دين الإسلام” غير باب واحد فقط لا غير، هو الإقرار بصدق “الآية القرآنية” التي يحملها رسول الله إليهم اليوم.
سادسًا:
وينزل القرآن على رسول الله محمد اليوم، فيقول الله تعالى “الآية ٢٢” من سورة فاطر:
* “وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ”
وهل هناك عاقل ينكر أن “الأحياء” غير “الأموات”، إذن فلماذا جاء هذا البيان؟!
جاء من باب الصيغ التمثيلية التي تميز بها الأسلوب القرآني، حيث يشبه في كثير من الآيات “الإيمان” بـ “الحياة”، و”الكفر” بـ “الموت”، فتدبر:
* “أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ – وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ – كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا – كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”
وها هو رسول الله يحمل اليوم “نور القرآن” لهداية الناس إلى صراط ربهم المستقيم، فلماذا لا يستجيب المسلمون له، ويتبعوا النور الذي أنزل معه؟!
لأنهم يعيشون موتى في قبورهم المذهبية، لا يسمعون، والله تعالى يقول لرسوله، استكمالًا لـ “الآية ٢٢” من سورة فاطر:
* “إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ – وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ”
فهل يمكنك أن تُسمع من في القبور، مهما بلغ صراخك، ومهما كان أسلوبك ليّنا غير غليظ القلب، ومهما وصلت بلاغتك من البيان؟!
إن مصيبة المسلمين “العقدية”، أنهم مشغولون بتراثهم الديني، وقد صمت آذانهم عن سماع رسول الله وهو يدعوهم لما يُحييهم، فماتوا وهم في قبورهم المذهبية، وسيحشرون منها.
محمد السعيد مشتهري