نحو إسلام الرسول

(1031) 5/2/2018 على هامش منشور الأمس “وماذا عن ترجمة القرآن؟!”

يسأل الصديق العزيز د. السعيد عبد المؤمن عن الربط بين فريضة تعلم اللغة العربية، وأن الله أعلم حيث يجعل رسالته، وهل جعل أهل العربية مسئولين وحدهم عن نشر رسالته، وما يستتبع ذلك من مسئولية إجادة العربية باعتبار أن فاقد الشيء لا يعطيه؟!

فأقول:

إنني عندما “أكتب”، أو “أتكلم”، انطلق من القاعدة التي ينطلق منها “مشروعي الفكري”، وهي قاعدة “ما يجب أن يكون”، استنادًا إلى آيات الذكر الحكيم.

أما “ما هو كائن” فإنني أترك للناس تغييره إلى “ما يجب أن يكون”، كلٌ حسب تفاعله معه، وحسب ظروفه وإمكاناته.

أولًا: “المشكلة”

لقد حذر الله “الذين آمنوا” في عصر الرسالة من ثلاث مهلكات:

١- من “التفرق في الدين”:

“.. وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ . مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”

# ولقد تفرق المسلمون إلى فرق ومذاهب عقدية يُكفر بعضهم بعضًا.

٢- وحذرهم من “الانقلاب على الأعقاب”:

“وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ..”

# ولقد انقلب المسلمون على أعقابهم، حتى وصلت درجة الانقلاب إلى استحلال آلاف الدماء بغير حق في أحداث الفتن الكبرى.

٣- وحذرهم من التخلي عن:

أ- مسؤوليتهم في “الشهادة” على الناس، حيث قال الله لهم:

“هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا” – “لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ” – “وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ”

ب- إخراج الناس من “الظلمات إلى النور”، حيث قال الله لهم:

“كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ”

# ولقد تخلى المسلمون عن مسؤولياتهم إلى يومنا هذا!!

واللافت للنظر، والمستغرب، أنهم ما زالوا يعتقدون أنهم يتبعون “دين الإسلام” الذي ارتضاه الله للناس!!

ثانيًا:

ومن منطلق “ما يجب أن يكون” أقول:

١- إن “دين الإسلام” الذي ارتضاه الله للناس، عبارة عن سلسلة من الحلقات، الأولى هي “جيل الصحابة”، والثانية “جيل التابعين”…، إلى أن نصل إلى الحلقة التي تمثلنا اليوم.

وهناك رابطة أساس تربط حلقات هذه السلسلة، خلال رحلتها على مر العصور، وهي رابطة:

“الآية – العقلية – القرآنية – العربية”

التي يستحيل أن يدخل أحدٌ في “دين الإسلام” دون أن يؤمن بها، ويُقر بصدقها، هو “شخصيًا”، وليس وراثة عن آبائه.

ولكن كيف يؤمن إنسان بصدق “آية – عقلية – قرآنية – عربية” وهو لا يعلم “اللغة” التي تتحدث بها؟!

٢- لقد نشر المسلمون الأُوَلْ “علوم اللغة العربية” بين الناس، وتعلمها الناس جيلا بعد جيل، وعلى هذا الأساس دخلوا في دين الله أفواجا.

ولذلك لا نستغرب عندما نجد أن معظم أمهات الكتب التي دُوّنت في القرون الأولى، ويتبعها المسلمون اليوم، أصحابها ليسوا من العرب، ومنها كتب “اللغة العربية”، وفي مقدمة أصحاب كتب “اللغة العربية” من غير العرب:

“سيبويه الفارسي”، و”ابن جني الرومي اليوناني”، و”الفيروز أبادي الهندي”.

ثالثًا:

ومن منطلق “ما كان”، وما “هو كائن” أقول:

١- لقد أُغلق باب الاجتهاد، وأصبح المسلمون “تابعين” “مقلّدين” بغير علم، لا دور لهم إلا أن يسمعوا ويطيعوا عددًا من أئمة السلف، فـ “الإمام” بـ “البيعة” يتحمل كل شيء عمن بايعوه!!

والنتيجة:

التساهل في الالتزام بتعلم “علوم اللغة العربية” حتى جاء العصر الذي أصبحت فيه مادة دراسية يمزق الطالب كتبها بعد الامتحان، ويسعد الآباء بأبنائهم عندما يجدونهم متفوقين في لغات أخرى!!

٢- كم عدد أئمة السلف الذين يتبعهم “الملياران” مسلم اليوم؟!

عندما نقف على هذه النسبة سنعلم لماذا لم تتشرب قلوب المسلمين “علوم اللغة العربية”، على مر العصور، ولماذا أصبحت لغة “الأعاجم والعجم” هي التي تحكم حياتهم، وينشأ عليها أبناؤهم منذ قرون من الزمن.

٣- إن وقوف المسلمين على “الفجوة” الكبيرة جدا بين “ما هو كائن” وما “يجب أن يكون”، أصابهم بـ “صدمة” جعلتهم يرفضون مجرد التفكير في “التغيير”، استنادًا للمثل:

“بعد ما شاب عايزينه يروح الكُتَّاب”

رابعًا:

يتصور المسلمون أن الله تعالى في حاجة إلى إيمانهم وإسلامهم، وأنه يستحيل أن يقذف بـ “المليارين” مسلم في “جهنم” بسبب أنهم:

١- لم يتعلموا علوم اللغة العربية.

٢- ولم يقيموا الشهادة على الناس.

٣- ولم يخرجوا الناس من “الظلمات إلى النور”.

٤- وخرجوا هم أنفسهم من “النور إلى الظلمات”.

طبعًا أنا لا أقول إن “المليارين” مسلم في النار، ولا علاقة لي مطلقًا بالحكم على أحد، لأني لا أعلم الغيب، والله تعالى يقول:

“إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ”

وإنما أقول:

هذا هو كتاب الله: “ما يجب أن يكون”

وهذا هو واقع المسلمين: “ما هو كائن”

وإن الفرق الهائل بينهما يستحيل إذابته إلا:

أ- بإرادة التغيير

ب- تحمل مسؤولية البلاغ عن الله

ج- التسلح بـ “علوم اللغة العربية”

حتى لا نعطي فرصة لـ “الملحدين” للتلاعب بألفاظ القرآن، وتحريف أحكامه، وانتشار “فيروس” الهوس الديني بين الناس.

أحيانا أشعر أن «القرآن» عالم لا وجود له بين هذا الوجود البشري، وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل البعض يذهب إلى الإلحاد في آياته وأحكامها باسم القراءات المعاصرة للقرآن بما يتمشى مع واقع الناس ويحقق رغباتهم وشهواتهم.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى