نحو إسلام الرسول

(1030) 4/2/2018 “وماذا عن ترجمة القرآن”

يعتقد البعض، أن باب الدخول في “دين الإسلام”، هو الإيمان بوجود إله واحد لا شريك له، وأن النطق بـ “الشهادتين” معناه أن المرء قد أصبح “مسلمًا”، حتى ولو نطق بلسانه “الأعجمي” أو “العجمي”.

والحقيقة أن النطق بـ “الشهادتين” ما هو إلا مجرد إقرار لفظي بما وقر في القلب من إيمان راسخ بفعاليات أسماء الله الحسنى في الآفاق والأنفس، هذا “الإيمان” الذي نزل القرآن يُبيّن حقيقته.

أولًا:

لقد آمن “الشيطان” بالله الواحد الأحد، فلم تكن مشكلته في الإقرار بـ “الوحدانية”، وإنما في عدم التزامه بـ “مقتضيات الوحدانية”، فتدبر:

* “فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ – إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ”

لقد كفر “إبليس” بسبب عدم التزامه بـ “مقتضيات الوحدانية”، التي التزمت بها الملائكة، وإن من مقتضياتها “السجود الحسي” الذي يُعبّر عن “الخضوع” لأوامر الله، ويقابله “الاستعلاء”، و”الاستكبار”:

* “قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ – أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ”؟!

ثم أضاف “إبليس” معصية أخرى وهي “تبرير” معصيته الأولى:

* “قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ”

فكانت النتيجة:

* “قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ – وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ”.

ولم ينفعه الإقرار بـ “الوحدانية” عندما قال:

* “قَالَ (رَبِّ) فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ …”

ولا عندما أكد ذلك بقوله:

* “قَالَ (فَبِعِزَّتِكَ) لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ”

والسؤال:

وهل عمل المسلمون بـ “مقتضيات الوحدانية” بعد أن إقرارهم بها، قبل التزامهم العمل بـ “ظاهر أحكام القرآن”؟!

لقد ابتدع أئمتهم لهم بدعة لم يبتدعها “إبليس” نفسه، وهي رواية:

“أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ..”

وهل “المنافقون” في عصر الرسالة كانوا يتظاهرون بغير ما ورد في هذه الآية من أحكام؟!

ألم يتظاهروا بـ “الوحدانية”، وبالالتزام بأحكام القرآن، وبنوا “المساجد”، ثم نزل القرآن يكشف عن حقيقة ما في قلوبهم؟!

ثانيًا:

ثم بعد وفاة النبي، ألم يتفرق المسلمون في الدين، ، وكفّر بعضهم بعضا، وهم ملتزمون العمل بأحكام القرآن، فهل كان ذلك من باب العمل بـ “مقتضيات الوحدانية”؟!

ثم أعطى المسلمون ظهورهم لـ “لغة القرآن”، وأصبح “العجمي” الذي يريد أن يدخل في “دين الإسلام” يدخله من باب النطق بـ “الشهادتين” على مذهب فرقة من الفرق، فهل بذلك يكون قد عمل بـ “مقتضيات الوحدانية”؟!

إنه يستحيل أن تترجم لغة من لغات العالم “مقتضيات الوحدانية” للناس، بصورة تجعل “الأعاجم والعجم” يفهمون “دين الإسلام” على الوجه الصحيح.

إن ما جعل تيارات “الإلحاد” بأنواعها تخترق قلوب المسلمين بسهولة ويسر، أنها وجدتها قلوبًا “أعجمية” لا تفقه شيئًا في علوم “اللغة العربية”!!

وها نحن نرى على ساحة ما يُسمى بـ “الفكر الإسلامي” كيف يُعجب المئات ببدع الملحدين لجهل المعجبين بـ “علوم اللغة العربية”، وهي مصيبة فكرية عقدية بكل المقاييس، ولكن:

“لقد أسمعت لو ناديت حيًّا … ولكن لا حياة لمن تنادي”

ثالثًا:

لا يستطيع أحد أن يُنكر أهمية وقيمة الترجمة في التفاعل الحضاري بين الشعوب، تفعيلا لقوله تعالى:

* “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى”

* “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..”

ولكن عندما يكون الموضوع متعلقًا بـ “كلام الله” الذي خاطب به أهل “اللسان العربي”، وطلب منهم أن يأتوا بسورة من مثله، فعجزوا، فإن علينا أن نبحث عن سبب عجزهم.

١- فهل كان السبب هو عجزهم عن الإتيان بمثل الكلمات والجمل القرآنية، أي بمثل “نظم” الآيات “وبلاغتها”؟!

٢- أم بسبب عجزهم عن الإتيان بمثل مُسمّيات كلمات القرآن، أي بمثل “مقابلها الكوني”؟!

والإجابة:

بسبب عجزهم عن الإتيان بالإثنين، فالأولى آيات مقروءة، والثانية آيات مشاهدة، والاثنان “كلام الله”.

وعليه، فكيف يُتصور أن تأتي لغة من لغات العالم وتترجم معاني ما عجز أهل اللسان العربي أن يأتوا بمثله؟!

رابعًا:

إن ترجمة معاني كلمات أي نص، بأي “لغة”، أمر سهل وميسر، ولكن إذا أردنا ترجمة تفاعل هذه الكلمات داخل النص، فإن الأمر سيختلف تماما، لأننا سنكون أمام أساليب بلاغية يصعب ترجمتها بصورة تعبر عن المعنى المراد.

ويظهر ذلك جليًا عند ترجمة “كلمات القرآن” بمعزل عن سياقاتها وتفاعلها مع “مقابلها الكوني”، حيث يتعامل “المترجم” مع الجمل القرآنية كنصوص وليس كـ “آيات”، والله تعالى يقول:

* “سَنُرِيهِمْ (آيَاتِنَا) فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ (أَنَّهُ) الْحَقُّ”

لذلك يستحيل أن نجد لغة في العالم تستطيع التعبير عن التفاعل بين الآيات “المقروءة”، والآيات “المشاهدة”، بصورة فنية وبلاغية دقيقة.

خامسًا: أمثلة

١- كلمة “أَنُلْزِمُكُمُوهَا”، نحتاج لترجمتها إلى سبع كلمات:

“Shall we compel you to accept it”

٢- الكلمتان: “الخوف” و”الخشية”، تترجمان بمعنى واحد “fear”، وذلك لعجز اللغات الأخرى عن التفريق بينهما.

والمعنيان مختلفان تماما، وليس بينهما “ترادف”:

فـ “الخشية” خوف يَشُوبه تعظيم، عن علم بما يُخشى منه.

و”الخوف” توقع مكروه عن علم بحدوثه، وقد يكون ظنًا.

فإذا ذهبنا إلى ترجمة “محمد أسد” نجد أنه فرّق بين الكلمتين:

فترجم “الخوف” بـ “Fear”

و”الخشية” بـ “Awe”

فإذا بحثنا عن معنى كلمة “Awe” نجد أنها تعني “الرهبة”، وليس “الخشية”!!

و”الرهبة”: هي شدة “الخوف” التي تلازم القلب وتَصْحَبُها مهابة، وهي ضد “الرغبة”، التي هي شدة طلب القلب للمرغوب فيه.

وهناك مئات، بل آلاف، الإشكاليات “العقدية” يمكن الاطلاع عليها في المراجع المتخصصة.

٣- صحيح أن المترجمين يعتمدون على مراجع اللغة العربية، إلا أنهم ينتقون منها المعاني التي توافق مذاهبهم، وأغلبها تكون “شاذة”.

أ- فنجد مثلا من يترك جميع المعاني التي وردت في كلمة “الإِبِلِ” في قوله تعالى:

* “أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ”

ويختار في ترجمته من المعاني الشاذة معنى “السحاب”!!

ب- وهناك من ترك جميع المعاني التي وردت في كلمة “التَّابُوتُ” في قوله تعالى:

* “وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ”

ويختار في ترجمته من المعاني الشاذة معنى “القلب”!!

وهل “القلب” يذهب ويأتي وينتقل من مكان إلى مكان؟!

٤- تعالوا نتدبر جيدًا على، سبيل المثال، هذه الآيات:

أ- “فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا”

ب- “وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا”

ج- “وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ”

د- “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ – ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ – ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً – فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً – فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا – فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا – ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ – فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ”

ثم نذهب إلى الترجمات، ونرى وقع ما جاءت به على قلوبنا!!

٥- إن أساليب التعبير بـ “اللغة العربية” من الدقة بحيث تستوفي وجوه الدلالة التي يريد بيانها المتكلم، مثال ذلك قولنا:

# “انسكب الماء”

نقول ذلك عندما نريد أن نخاطب بـ “الفعل” من ينتظر انسكاب الماء، ولا يهمه معرفة “من” الذي سكبه.

فإذا أردنا معرفة من الذي سكب الماء نقول:

# “سكب الطفل الماء”

وإذا كنا نجهل من الذي سكبه نقول:

# “سُكب الماء”

سادسًا:

إن المطلع على ترجمة القرآن باللغات المختلفة يستطيع أن يقف على حجم “الإشكاليات العقدية” التي يعيش بداخلها من فهموا القرآن بناء على هذه الترجمات، بمعزل عن “لغة القرآن العربية”.

لقد عزلت هذه “الترجمات” الإنسان عن التعامل مع القرآن باعتباره “آية” لها فعاليتها في قلبه، وليس مجرد “كلام عربي” يُنقل إلى لغة أخرى، حسب “المذهب العقدي” للمترجم.

إن الله تعالى عندما وضع القاعدة العامة التي على أساسها يُبيّن الرسل رسالات الله للناس، قال تعالى:

* “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ”

وعلى هذا الأساس يكون الهدى والضلال:

* “فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ”

ويأتي هذا “البيان” باعتبار أن لكل لغة سمات خاصة تتميز بها عن غيرها من اللغات، خاصة في “أساليبها البيانية”.

ولذلك اختار الله تعالى “اللغة العربية” لتكون هي الوعاء الحامل لنصوص “آيته – العقلية – القرآنية”.

وعليه يجب أن يعلم كل مسلم أن تعلم “علوم اللغة العربية” في مقدمة الفرائض التي فرضها الله عليه، فبدون هذه اللغة يسهل التلاعب بمعاني الآيات وأحكامها، ويصبح فريسة لـ “الملحدين”.

وإذا كان “القرآن” يستحيل الوقوف على حجية “آيته العقلية العربية” عن طريق ترجمته.

وقد هجر المسلمون “لغة القرآن العربية” وأعطوها ظهورهم.

إذن فعن أي شيء تتحدث منابر الدعوة اليوم، بجميع توجهاتها الدينية؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى