طلب مني أحد أصدقاء الصفحة [أ.فرانك كي] الرد على شبهة أثارها بعض “الملحدون”، الذين يدّعون أنهم يُقرّون لله بـ “الوحدانية”، إلا أنهم لا يؤمنون بأن القرآن من عند الله، بدعوى أن في القرآن ما لا يليق بجلال الله وعظيم قدرته!!
والشبهة التي أثاروها مؤخرا، كانت حول الآية [166] من سورة الأعراف: “فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ”. قالوا: [إن هذه العقوبة “كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ”، لا تتناسب مع الذنب الذي ارتكبه “العصاة”، وهو إصرارهم على الصيد يوم السبت، خاصة وأن هذا اليوم هو الذي كانت الحيتان تأتيهم فيه، كما ذكرت الآية “إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ”!! ولكن أسوأ ما قالوا هو: “نعوذ بإله العرفاء من إله المشايخ والفقهاء، ونعوذ بإله الوجدان من إله القران] انتهى
ولبيان بطلان هذه الشبهة، يجب أن نتدبر السياق الذي وردت فيه الآية [166]، والذي يبدأ بالآية [161]. ولأن المقام لا يتسع لإلقاء الضوء على ما يتعلق بهذه الشبهة، والوقوف عند عطاء كلمات الآيات، سأكتفي بما يلي:
أولا: القضية ليست قضية تحريم صيد السمك [الحيتان] يوم السبت، وإنما هذا التحريم جاء في سياق بيان طبيعة بني إسرائيل الشاذة، وقسوة قلوبهم، وتكرار معصية الله، وعدم تنفيذهم لأحكام شريعته، التي ذكرها الله تعالى في كثير من آيات الذكر الحكيم.
ثانيا: يقول الله تعالى في الآية [163]: “وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ”. لقد كانت مهنة أهل هذه القرية الصيد، يخرجون إليه كل يوم، إلا يوم السبت، فقد كان هو يوم عطلتهم، وكانوا يعظمون هذا اليوم، ويتفرغون للعبادة فيه، وقد بيّن السياق ذلك بعبارة “يَوْمَ سَبْتِهِمْ”.
ثالثا: لقد حرم الله تعالى على أهل هذه القرية الصيد يوم السبت، وأحل لهم باقي أيام الأسبوع، ولكنهم وجدوا أن الحيتان تظهر بكثرة على سطح الماء [شُرَّعاً] في هذا اليوم، أما باقي الأيام فلا تأتيهم بهذه الصورة، “وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ”. فقرروا ترك العبادة والراحة يوم السبت، والخروج للصيد طمعا في المزيد من الحيتان، مخالفين بذلك أمر الله لهم، كعادتهم دائما “كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ”!!
إذن فالقضية ليست في أن الله تعالى حرم عليهم الصيد في اليوم الذي كانت الحيتان لا تأتيهم إلا فيه، فقد كان عندهم باقي أيام الأسبوع يصطادون فيها، ولكن لأن “الملحدين” لا يعلمون شيئا عن علم السياق القرآني، لم ينتبهوا إلى كلمة “شرعا”، أي أن يوم السبت تميّز فقط بأن الحيتان تكون فيه على سطح الماء، فيسهل اصطيادها!! لذلك جاء تحريم الصيد يوم السبت بمثابة ابتلاء لهم لعلهم يتوقفون عن فسقهم المستمر” “بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ”.
رابعا: قوله تعالى في الآية [166]: “فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ”. إن الأمر الإلهي التكويني، “كونوا”، هو العذاب الذي استحقه العصاة من أهل هذه القرية، وذلك بسبب فسقهم، ومعصيتهم، وطمعهم في الدنيا…، وليس فقط بسبب عدم التزامهم بتحريم الصيد يوم السبت!! لذلك كانت عقوبتهم: “فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين”!! والحقيقة أنني أمام الأمر الإلهي التكويني “كونوا”، لا أستطيع أن أقول شيئا عن كيفيته، ولا عن ما آل إليه على أرض الواقع، وقل ما أعلمه هو أن هذه العقوبة كانت بسبب استخفافهم الدائم بشريعة الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وإغلاق آليات عمل قلوبهم، آليات التفكر والتعقل والنظر…، فجاءت العقوبة بصورة تجعلهم عبرة لمن فعل فعلتهم!!