لقد أحدث هذا الموضوع ردود أفعال متباينة بين الأصدقاء، بصورة تفرض عليّ أن أضع محاوره الرئيسة في نقاط، والتي أعتبرها “محطات” يجب على “المسلم” أن يقف أمامها متدبرًا.
# المحطة الأولى: “الآبائية”
هل يتدين المسلمون بـ “دين الإسلام” الذي ارتضاه الله للناس، أم بـ “دين آبائهم” الذي ارتضته لهم “الفرق والمذاهب العقدية” التي ولدوا فيها، ولم يكن لهم إرادة في اختيارها؟!
هل سأل “السني المذهب” نفسه:
ماذا لو أنه ولد بين أتباع فرقة من الفرق العقدية الأخرى، “الشيعة”، أو “المعتزلة”، أو “الأباضية”..، أو وسط جماعة من الجماعات الإسلامية المتفرعة عن كل فرقة، أو ولد “داعشيًا”، والعكس صحيح؟!
أولًا: “المشكلة”
يشهد واقع المسلمين، على مر العصور، أنهم عبارة عن سلسلة من حلقات “التفرق في الدين”، ظهرت الحلقة الأولى منها بعد وفاة النبي، يوم انقلب المسلمون على أعقابهم، مخالفين ما أمرهم الله به في موضعين من كتابه:
١- قوله تعالى:
“وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ”
وتدبروا جيدًا ماذا قال الله بعدها مخاطبًا “الذين آمنوا” بالله ورسوله:
* “أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ”
٢- قوله تعالى:
“فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً”
“فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ”
“ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ”
“مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ”
وتدبروا جيدًا ماذا قال الله بعدها مخاطبًا “الذين آمنوا” بالله ورسوله:
* “وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ”
* “مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً”
* “كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”
ثانيًا: “التحليل”
حسب “ما هو كائن” في كتاب الله، فإن الآيات السابقة تشهد:
١- أن “٩٩٪” من “المليارين” مسلم، يتديّنون بـ “دين آبائهم” المذهبي، الذي لا علاقة له بـ “دين الإسلام”، الذي جعل الجيل الأول من المسلمين “خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ”.
٢- أن الذي يتحكم في هذا “التدين المذهبي” عشرات “فقط” من الأئمة والفقهاء والمفكرين “السلفيّين والقرآنيّين والعصريّين” الذين انفصلت منابر دعوتهم عن دين “خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ”.
٣- أن “المرجعيات الدينية” التي يستند إليها هؤلاء في دعوتهم الناس إلى مشاريعهم الفكرية، سواء كانت الدعوة إلى “اتباعها” أو إلى “تنقيتها”، أو إلى “هدمها”، لم يكن لها وجود في حياة الرسول الذي يؤمنون به.
ثالثًا: “القرار”
١- هل ستنزل من القطار في هذه المحطة، وترضى بـ “ما هو كائن”، وتعطي ظهرك لـ “ما يجب أن يكون”، باعتبار أن هذه هي “مشيئة الله”، وتعيش حياتك مستمتعًا بدنياك، وتكون من هؤلاء:
* “وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ”
* “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا”
* “أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ”؟!
٢- أم تكون من الذين قال الله فيهم بعد ذلك:
* “وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ”
* “فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى”؟!
وتنزل من القطار لتخلع ثوب “”تدينك الوراثي”، وتسلم وجهك إلى الله، وتحصل على “زاد المسير” من العلم الذي يؤهلك لاستكمال رحلتك “نحو إسلام الرسول”، وتعود لتركب القطار؟!
# المحطة الثانية:
بعد أن خلعت ثوب “”تدينك الوراثي”، وأسلمت وجهك إلى الله، وآمنت بـ “الوحدانية”، على أساس الدلائل الموجودة في كل ذرة من ذرات هذا الكون، يجب أن تكون لك وقفة لإثبات صدق “النبوة”.
أولًا:
لا “نبوة” دون برهان “آية إلهية” دالة على صدق بلاغ “النبي” عن الله، ولقد أيد الله رسله بـ “آيات حسية”، تنتهي فعاليتها بوفاتهم، ثم جاءت آية النبي محمد “عقلية قرآنية” تمتد فعاليتها إلى يوم الدين، فلا نبوة بعده.
١- إن الإقرار بـ “أصول الإيمان” الذي هو باب الدخول في “دين الإسلام”، مسؤولية فردية، فلا إقرار بـ “الوراثة”، حسب ما وجد الناس عليه آباءهم!!
وتدبر جيدًا هذه الجمل القرآنية:
* “وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ” – “وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً” – “اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً”
* “مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ” – “وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا” – “وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى”
٢- ويجب أن نقف عند قوله تعالى بعدها:
* “وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً”
إذن فباب الدخول إلى “جنهم”، على مر الرسالات، هو تكذيب “الرسل”، أي تكذيب “الآيات” التي أيد الله بها “الرسل”.
ولقد كانت الآيات التي أيد الله بها رسله، قبل بعثة رسوله محمد، “آيات حسية”، لا علاقة لها بـ “اللغات” التي نزلت بها الكتب، والتي كان ينطق بها “لسان” قوم الرسول، لأنها كانت “آيات حسية”.
ثانيًا:
ولقد أيد الله رسوله محمدًا بـ “آية – عقلية – قرآنية – عربية”، قد حملها كتابه الذي نزل باللغة التي كان ينطق بها لسان قومه، وهي “اللغة العربية”.
١- لقد أصبحت هناك علاقة إيمانية من نسيج واحد، بين “الآية” و”الكتاب”، فلا ينفصلان أبدًا.
٢- وأصبح دخول “الجنة”، أو “جهنم”، بعد بعثة رسول الله محمد، يتوقف على الإيمان أو الكفر بـ “الآية – العقلية – القرآنية – العربية” التي أيده الله بها.
٣- وأصبحت “اللغة العربية” التي هي المكون الرئيس لـ “الآية القرآنية”، شرطًا للدخول في “دين الإسلام”، وشرطًا لدخول “الجنة”، وإلا فكيف يؤمن المرء بشيء لا يعلمه؟!
ثالثًا:
ومن البراهين الدالة على وجوب الإيمان بصدق “الآية – العقلية – القرآنية – العربية”، كشرط لدخول الجنة، هذا الشرط الذي يجب أن يحققه المرء بنفسه، ما يلي:
١- قوله تعالى في سورة البقرة، مخاطبا الناس جميعًا:
* “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ..”
ثم بعد بيان جانب من دلائل الوحدانية، قال تعالى:
* “وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ”
والسؤال:
كيف تزول “الريبة” دون أن يكون المكذب على علم بـ “علوم اللغة العربية”، التي نزلت بها سور القرآن؟!
وماذا لو أن “الإنس والجن” عجزوا عن الإتيان بـ “سُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ”، وأصر المكذب على تكذيبه؟!
* “فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ”
إذن فمصيره “جهنم”.
وماذا لو أنه كان عالمًا بـ “علوم اللغة العربية”، فآمن بالله ورسوله، وصدّق بـ “الآية – العقلية – القرآنية – العربية” وعمل بأحكامها؟!
* “وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ..”
٢- في ختام بيان أحكام المواريث، التي خاطب الله بها “الذين آمنوا”، وطبعا كانوا على علم بـ “علوم اللغة العربية”.
حتى لا يأتي “الملحدون” ويشكّكونهم في أحكام المواريث، ويجعلونهم يخرجون عن حدودها.
قال تعالى في سور النساء:
* “تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ” – “وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ” – “يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا” – “وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”
* “وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ” – “وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ” – “يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا” – “وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ”.
فكيف غفل المسلمون عن هذه “الحجج الدامغة”، هذه “الغفلة” التي جعلتهم يهجرون “لغة القرآن”، ويورّثون أبناءهم لغة “الأعاجم”، والـ “العجم”؟!
٣- ويخاطب الله “أهل الكتاب”، مبينًا شرط دخول الجنة، وهو شرط للناس جميعًا، فيقول تعالى في سورة المائدة:
* “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا” – “لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ” – “وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ”
إذن “آمَنُوا” بمن، “وَاتَّقَوْا” من؟!
وهل لم يكن “أهل الكتاب” على علم بـ “اللغة العربية” التي خاطبهم الله بها في “القرآن”؟!
وهل كان من الممكن أن يقبل الله إيمانهم دون الإقرار بصدق “الآية – العقلية – القرآنية – العربية”؟!
رابعًا: “القرار”
هل ستنزل من القطار في هذه المحطة، وترضى بـ “ما هو كائن”، وتعطي ظهرك لـ “ما يجب أن يكون”، لأنك ترى استحالة أن يتعلم الملياران مسلم علوم “اللغة العربية”؟!
و”ربك يا سيدي غفور رحيم”!!
أم ستظل في القطار، ومعك “زاد المسير” من علوم اللغة العربية، لتستكمل الرحلة “نحو إسلام الرسول”؟!
# المحطة الثالثة:
وبعد أن تزودت من “زاد المسير”، ودخلت “دين الإسلام” الذي ارتضاه الله للناس من بابه الصحيح، فماذا ستقدم لهذا الدين، حتى لا يتحول إلى “ترف فكري”، فإذا بك تقول ما لا تفعل؟!
“القرار”:
بعد تجربتي مع “مبادرة نحو إسلام الرسول”، وتقديري لظروف الناس المعيشية، وأنه يصعب عليهم التخلي عن “ما هو كائن”.
أرى أن الذين دخلوا “دين الإسلام”، الذي ارتضاه الله للناس، من بابه الصحيح، يحتاجون إلى قوة دفع هائلة لتخرجهم من دائرة “الفكر” إلى دائرة “العمل”.
محمد السعيد مشتهري