قلت في المنشور السابق، إن موضوع العنوان:
“لن يدخل الجنة من يجهل لغة القرآن العربية”
لا علاقة له مطلقا بواقع الناس، أي لا علاقة له بـ “ما هو كائن” على مر العصور.
وعندما يحمل عنوان المنشور كلمة “القرآن” فهذا معناه أني أتحدث عن فترة ما بعد بعثة النبي محمد.
وعندما يتعلق موضوع المنشور بفترة ما بعد بعثة النبي محمد فهذا معناه أني أدعو الناس إلى تغيير “ما هو كائن” إلى “ما يجب أن يكون”، أي إلى “إسلام الرسول”.
وليس معنى دعوة الناس إلى تغيير “ما هو كائن” الحكم عليهم بالكفر، وأنهم “لن” يدخلوا الجنة، لأن مصير الناس بيد الله وحده، وهذا ما بينته في المنشور السابق.
ومع إيماني وعلمي اليقيني بأن مصير الناس بيد الله وحده، ولا يعلم “ما هو كائن” في قلوب الناس إلا الله وحده.
فإني أعلم أيضا أن الله قد حدد صفات أهل الجنة، وصفات أهل النار، وحكم على الذين لم يتبعوا النبي محمد بأنهم من أهل النار.
وإذا كان الأمر كذلك، فهل “الملياران مسلم” يتبعون النبي ويعملون بـ “دين الإسلام” الذي اتبعه النبي؟!
هذا “ما هو كائن”، الذي لا أستطيع الحكم عليه، ولا الحكم على أحوال المسلمين وموتاهم، منذ بعثة النبي وإلى يومنا هذا.
والسبب:
أن مشروعي الفكري يتحرك داخل “القرآن”، حيث أتدبر كيف تعاملت آياته مع المعاصرين للنبي، أي أتحرك داخل دائرة “ما يجب أن يكون”.
ولذلك أقول:
إن الفرق بين “فقه التعامل” مع “ما يجب أن يكون”، وبين “ما هو كائن” دقيقٌ جدًا، وبدون الوقوف على هذا الفرق لن نستطيع الرد على شبهات الملحدين في آيات الله وأحكامها.
إننا يجب، “ومن خلال القرآن”، أن نعيش في عصر الرسالة، ونرى هل أمر الله الناس، بجميع الملل والنحل، اتباع النبي محمد، وتوعد من كفر به بجهنم، أي “لن يدخل الجنة”؟!
لقد ذكرت في المنشور السابق، “البند سادسا”، أن مفتاح فهم عنوان المنشور، “لن يدخل الجنة من يجهل لغة القرآن العربية”، موجود في أول كلمة فيه، وهي “لن النافية”.
فتعالوا نستكمل الموضوع.
# يبدو أن اليهود والنصارى اتفقوا على أنه “لن” يدخل الجنة إلا:
٢- “وَقَالُوا (لَنْ) يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى”
ونحن نعيش مع رسول الله في عصر الرسالة، ونرى الآيات تتنزل تضع القواعد “الإيمانية”، وتحدد مصير الكافرين بالنبي محمد، يرد الله على افتراء اليهود والنصارى وقولهم “لن..” فيقول:
* “تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ”
إذن، فيستحيل أن يدخل يهودي أو نصراني الجنة إلا إذا آمن بالنبي الخاتم، ولكنهم متمسكون بملتهم:
* “وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ”
وتعتبر هذه الآية برهانًا على أنه لا توجد ملة أمر الله اتباعها بعد بعثة النبي محمد، غير ملة “دين الإسلام” التي ارتضاها للناس جميعًا.
وهذا “ما يجب أن يكون”.
ولكن هل أستطيع أن أسقط هذا الحكم على “ما هو كائن”؟!
لا أستطيع، لأن الله أمر المسلمين أن يُخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، فإذا بهم يُخرجون أنفسهم من النور إلى الظلمات، فغاب “الرسول” بغياب فعالية “الآية القرآنية” في حياتهم وحياة الناس.
إن الإسلام لم يعد “إسلام” الوجه لله، وإنما أصبح “إسلام” الوجه لأئمة المذاهب “العقدية” و”الفقهية”.
ولقد بيّن الله أن مفتاح دخول الجنة هو “إسلام الوجه لله”:
* “بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ …”
وهذا “ما يجب أن يكون”.
وليس “ما هو كائن”.
# ولقد كان بنو إسرائيل يعتقدون أنهم سيدخلون النار لأيام معدودة ثم يخرجون منها، كما هي عقيدة معظم المسلمين، فنزل القرآن يُبيّن الحقائق ويضع القواعد:
٣- “وَقَالُوا (لَنْ) تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً”
فمن أين جاؤوا بهذه الأحكام المفتراة:
* “قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ”؟!
إن القاعدة: أن من دخل النار لن يخرج منها:
* “بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”
إن “مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً” واحدة، ولم يتب منها، وأصر عليها حتى أصبحت حزمة من “السيئات” تلتف حول جسده “وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ”، ومات على ذلك:
* “فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”
فهل يستغفر العصاة ويتوبون إلى الله، بعد أي معصية يرتكبونها، ولا يُصرون على تكرارها؟!
فهذا “ما يجب أن يكون”، ولكن هل هو كائن؟!
ومع وضوح الحكم الإلهي، كوضوح الشمس في كبد السماء، سيخرج علينا من يقول:
“يعني عايز تقول إن الـمليارين مسلم في النار”؟!
إذن سأكرر وأقول:
أنا أبيّن فقط “ما يجب أن يكون”، استنادًا إلى كتاب الله، وأحذر من “ما هو كائن”، ولا أصدر أحكامًا.
٤- ولقد كانت “الأصنام” تحيط بـ “البيت الحرام”، فأوحى الله إلى رسوله بتطهير البيت والمسجد الذي حوله، وأن يجعل العبادة فيه لله وحده لا شريك له، فـ “المساجد” معلمٌ من معالم “الوحدانية”:
* “وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً”
ولقد كان رسول الله محمد يقيم الصلاة في هذا “المسجد” الذي سمّاه القرآن “المسجد الحرام”، وكان “المشركون” يلتفون حول النبي ويسخرون منه، فتدبر وصف الله لرسوله وهو في مقام العبودية:
* “وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً”
* “قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً”
ولا ننسى أننا نعيش مع رسول الله في عصر الرسالة، ونقيم معه الصلاة الآن في “المسجد الحرام”، ونرى كل هذه الأحداث، ونتعلم منه كيف نعيش “مقام العبودية”، والله يأمره ويقول:
* “قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً”
* “قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً”
ثم تأتي الآية، التي هي محل الاستشهاد في سياق موضوعنا، وهي قوله تعالى:
* “إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ”
إن رسول الله لا يملك أن يضر الناس ولا أن ينفعهم، وكل ما يملكه هو أن يبلغ “القرآن” رسالة الله، الذي من كفر به فإن عاقبته:
* “وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ”
* “فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً”
والسؤال:
ونحن مع رسول الله في عصر الرسالة، وحتى توفاه الله، هل رأيناه قد شهد بـ “إيمان”، و”إسلام” من لم يتبع رسالته، ولم يحكم عليهم بالكفر، وأنهم “لن يدخلوا الجنة”، استنادا لقوله تعالي:
* “إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا”
* “لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ”
* “حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ”
* “وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ”؟!
ويبقى السؤال:
إذا كان كتاب الله، الذي حمل “الآية العقلية” الدالة على صدق “نبوة” رسول الله محمد، هو رسالة الله للناس جميعًا، فلماذا نزل بـ “اللغة” التي كان ينطق بها “لسان” قوم النبي، وهي “اللغة العربية”، ولم ينزل بلغات الشعوب المختلفة؟!
وللموضوع بقية
محمد السعيد مشتهري