يعيش العالم الإسلامي، الممزق، المشتت، حياته مستهلكا لعلوم وانجازات الحضارة الغربية، لذلك لم تقم له نهضة، ولم يصنع حضارة!! فلماذا وقع في هذا الأسر؟! لأنه ظل حياته ينظر إلى الخلف، يعيش كما عاش السلف!! يفهم دينه كما فهمه السلف!! يأكل ويشرب كما فعل السلف!! يخاصم، ويسفك الدماء بغير حق، كما فعل السلف!!
إن “السلفية” منظومة فكرية تستمد أصولها من منظومة “الآبائية” الأم، من لدن نوح، عليه السلام، ومكان هذه المنظومة في الشريعة الإسلامية لا يتعدى أخذ العبر والعظات، وليس الوقوع في أسر عقائد أصحابها المذهبية، وومدارسهم الفقهية.
لقد ذُكرت كلمة “السلف”، في موضع واحد من القرآن الكريم، في سورة الزخرف، وهو قوله تعالى، عن هلاك فرعون وقومه: “فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ”. لقد جعل الله تعالى مصير فرعون وقومه “سَلَفاً” ومثلا، ليأخذ الخلف منه العبرة، وليعلموا أن انتقام الله سينالهم إن هم ساروا في طريقهم، وعملوا عملهم!!
فهل أخذ المسلمون العبرة من سلفهم، الذي مزق أمتهم، وجعلها في ذيل التقدم الحضاري؟!
لقد جاء القرآن يحدد المسئولية الفردية لكل شخص في هذا الوجود، ويبين أن الموتى قد طويت صحائفهم، ولم تبق إلا ذكراهم، وما على الأحياء إلا أخذ العبر. لقد جاء القرآن يُبيّن أن المعول عليه هو أعمال الخلف وما كسبت قلوبهم وأيديهم: “تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ”.
إن كلمة “خلت” خبر عن أمة مضت، أي خلا منها المكان والزمان، وهذه بدهية لا تحتاج إلى بيان، إذن عندما يذكرها القرآن فإن هذا يؤكد أن من خلت منهم الأرض [أي الموتى]، لن ينفعوا من عليها [الأحياء]، بأية صورة من صور النفع، إلا الاعتبار والاتعاظ، فلن ينفع صلاح الآباء الأبناء إذا لم يتبع الأبناء الحق الذي كان عليه الآباء.
والسؤال: إذا كان الأبناء لن يُسألوا عن أعمال آبائهم، فكيف يكون تراث الآباء، ومذاهبهم الفقهية المتصارعة، مصدر تشريع وفتوى للأبناء، لا يصح إسلامهم إلا باتباعه؟!
* هل تظن أن المسلمين سيخرجون من أسر “السلفية” ويصنعون حضارتهم بأيديهم؟!