دعوة إلى التفكير من داخل السياق القرآني.
أولًا:
# جملة “أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ”:
لقد وردت جملة “أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ” في سياق ما أمر الله رسوله محمدًا أن يلتزم به، وأن يبلغه للناس.
ولاحظ تكرار فعل “أمرت” في الآيات:
١- “الآيتان ١٦٢-١٦٣” من سورة الأنعام:
* “قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ (أُمِرْتُ) وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ”
٢- “الآيتان ١١-١٢” من سورة الزمر:
* “قُلْ إِنِّي (أُمِرْتُ) أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ”
# جملة “أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ”
وردت في “الآية ١٤” من سورة الأنعام، ولاحظ فعل “أمرت”:
“قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي (أُمِرْتُ) أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ”
ثانيًا:
# جملة “أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ”:
لم ترد في سياق الحديث عن قصص الأنبياء إلا في سياق قصة موسى، عليه السلام، وقوله تعالى “الآية ١٤٣” من سورة الأعراف:
* “فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ”
ونلاحظ هنا:
١- غياب فعل “أمرت”.
٢- أن جملة “وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ” صادرة عن موسى وليست أمرًا من الله، كما هو الحال مع رسول الله محمد، عليهما السلام.
ثالثًا:
# جملة “مِنْ الْمُسْلِمِينَ”
١- وردت جملة “مِنْ الْمُسْلِمِينَ” أيضا في سياق الحديث عما أمر الله رسوله أن يفعله، ولاحظ فعل “أمرت”.
يقول الله تعالى “الآية ٩١” من سورة النمل:
* “إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ (وَأُمِرْتُ) أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ”
٢- كما وردت في سياق بيان قصة نوح، عليه السلام، وقوله تعالى “الآية ٧٢” من سورة يونس:
* “فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى اللَّهِ (وَأُمِرْتُ) أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ”
رابعًا:
# جملة “مِنْ الْمُؤْمِنِينَ”
وردت في “الآية ١٠٤” من سورة يونس، مع ملاحظة فعل “أمرت”:
“قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ (وَأُمِرْتُ) أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ”.
خامسًا:
وهناك محددات تساعد على فهم ما سبق بيانه:
١- جملة “أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ”
في سياق الحديث عن الذين آمنوا من سحرة فرعون، “الآية ٥١” من سورة الشعراء، وقولهم:
* “إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ”
٢- جملة “فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ”
وهي قاعدة عامة تشمل جميع الأنبياء، ووردت على لسان بعضهم، وصية لأبنائهم، في “الآيتين ١٣١- ١٣٢” من سورة البقرة:
* “إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ . وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ”
٣- جملة “أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ”
فيقول الله مخاطبًا بني إسرائيل، في “الآية ٤١” من سورة البقرة:
“وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ”
فماذا تعني هذه الجملة “وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ” والذين كفروا بما أنزله الله على رسوله محمد ليسوا فقط بني إسرائيل؟!
سادسًا:
والخلاصة تبدأ بسؤال:
في سياق بيان تحديات عصر الرسالة، وموقف المكذبين لبعثة النبي الخاتم محمد، والمشركين الذين يقولون إن لله ولدًا.
ثم ينتقل سياق آيات سورة الزخرف من مقام الترهيب والتحذير، إلى مقام الحجة والبرهان، ويأمر الله رسوله أن يقول لهم:
“قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ”
والسؤال:
هل يمكن أن تتحول ملة إبراهيم، “ملة الوحدانية”، إلى ملة “الشرك بالله” ويعبد رسول الله محمد إلهًا له “وَلَدٌ”، بل ويكون “أَوَّل الْعَابِدِين” له ولأبنائه؟!
طبعا يستحيل، وبرهان ذلك في “التنزيه” الوارد في الآية التي تلت ذلك، وقوله تعالى:
“سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ”
١- بدون علوم “اللغة العربية”، وفي مقدمتها “علم البيان”، يستحيل أن نفهم القرآن ونستنبط أحكامه على وجه صحيح لا إلحاد فيه ولا ضلال ولا تضليل.
٢- لقد نزل القرآن بـ “الأساليب البيانية” التي كان ينطق بها لسان العرب، ومن ذلك “المجاز”، الذي فهم المشركون به المقصود من هذه الآية، وأنه يستحيل أن يعبد النبي إلهًا له “وَلَدٌ”، وقد جاء برسالة تأمر الناس باتباع ملة إبراهيم.
٣- إن قضية “الإيمان والإسلام” ليست قضية “زمان” ولا “مكان” وإنما قضية طاعة وخضوع واستسلام لأمر الله تعالى:
“وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ”
إن التنافس على مقعد “الطاعة”، و”إسلام الوجه لله تعالى”:
* “قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ”
إن هذا التنافس أمرٌ إلهي، نطق به رسول الله محمد:
* “وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ”
إن كل رسول هو أول من أسلم في قومه:
“قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ”
وقبل أن يبلغ قومه “دين الإسلام” يكون قد دعا نفسه إلى ما دعا إليه غيره، فهو “الأول” الذي يُقتدى به في إخلاص الدين لله:
* “قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ”
* “وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ”
وعندما يشعر كل مسلم أنه “أَوَّل مَنْ أَسْلَم”، يختفي “النفاق” من بين المسلمين، فلا يقولون ما لا يفعلون.