طلب الصديق العزيز Mohamed Ait Moha جمع منشورات “القواصم والعواصم” في منشور واحد ليسهل الاستفادة منها.
وهذا المنشور استجابة لطلبه، وقد وجدتها فرصة لحذف الأفكار المكررة التي تعمدت تكرارها في هذه المنشورات لعلها تثبت في الأذهان.
تعريف المصطلحات
* القاصمة: هي “الباطل” الذي يظن الناس أنه قصم ظهر “الحق”.
* العاصمة: هي “الحق” الذي يقصم ظهر “الباطل” بعلم “العلماء”.
* الآية القرآنية: هي “البرهان العقلي” الدال على صدق “نبوة” رسول الله محمد، والذي يسميه السلف بـ “المعجزة”.
# أولًا:
قاصمة “١”
ينظر “الناس” إلى القرآن باعتباره كتابًا إلهيًا كالكتب التي سبقته، التي آتاها الباطل من بين يديها ومن خلفها.
ولأن الله حفظ القرآن من أن يأتيه الباطل، لم يستطع “المسلمون” من تحريفه كما فعل أتباع الكتب السابقة، فذهبوا إلى صناعة مصدر تشريعي يُحل ويُحرم بدعوى أن النبي أوتي القرآن ومثله معه.
# عاصمة “١”:
١- إن كتاب الله “آية قرآنية عقلية”، تراها القلوب بآليات التفكر والتعقل والتدبر والتفقه والنظر، وليس “آية حسية” تراها الأعين، وتنتهي فعاليتها بموت الرسول.
ولقد نزلت نصوص “الآية القرآنية” باللغة التي كان ينطق بها لسان قوم النبي، من قبل نزول القرآن، الأمر الذي اقتضى أن يحفظ الله “لسان العرب” في مراجع “اللغة العربية” ليكون حجة على الناس إلى يوم الدين.
إذن فلا مجال مطلقًا لادعاء أن الله لم يحفظ نصوص “الآية” الدالة على صدق “نبوة” رسوله محمد، والقائمة بين الناس إلى يوم الدين.
٢- فهل يُعقل أن يقول الله تعالى في كتابه:
* “إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ (تَعْقِلُونَ)”
* “كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ (يَعْلَمُونَ)”
* “قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ (يَتَّقُونَ)”
ثم تضيع لغة القرآن، ويضيع لسان العرب، في الوقت الذي يصف الله فيه كتابه بقوله:
* “وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً”؟!
فكيف يكون كتاب الله، من أوله إلى آخره، “حُكْماً إلهيًا عَرَبِيّاً” ثم لا يحفظ الله للناس ما يفهمون به كلماته؟!
# ثانيًا:
قاصمة “٢”
لقد كان من الطبيعي أن يذهب أعداء “دين الإسلام” إلى التشكيك في تعهد الله بحفظ “القرآن” بدعوى أن النبي توفي قبل جمع القرآن في مصحف، وأن صحابته هم الذين قاموا بجمعه!!
# عاصمة “٢”:
عندما يجلس “عربي” وسط جماعة يتحدثون لغات غير لغته، فإنه يسمع ما يقولون ولا يفهمه، لأن هذه اللغات لم تنزل على قلبه.
ولقد تعلم النبي محمد العربية منذ ولادته، فلما نزل القرآن على قلبه فهمه وبلغه للناس، وحفظه الله في صدور الذين أوتوا العلم، حتى وصل إلينا اليوم:
“بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ”
# ثالثًا:
قاصمة “٣”
وبعد أن أُغْلِقت أمامهم أبواب الطعن في حفظ الله للقرآن، ذهبوا يطعنون في “اللغة العربية” التي نزل بها، ويقولون إن القرآن نزل بـ “لسان عربي” وليس بـ “اللغة العربية”!!
فإذا قلنا لهم:
اتركوا هذه الخدعة الكبرى، وقولوا لنا كيف تقرؤون القرآن اليوم: هل بـ “اللغة العربية”، أم بـ “اللسان العربي”؟!
تراهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الجهل!!
# عاصمة “٣”:
لا فرق بين أن تقول: إن العرب كانوا يتكلمون بـ “لسان عربي”، أو كانوا يتكلمون بـ “لغة عربية”.
١- لأنك في الحالة الأولى:
“أن العرب كانوا يتكلمون بـ “لسان عربي”:
تكون قد قدّمت “آية النطق”، أي “اللسان”، على اللغة التي ينطق بها “اللسان”، من باب إظهار أن “اللسان” آية من آيات الأنفس، لقوله تعالى:
“وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ”
٢- لقد أضاف الله صفة “مُبِينٍ” إلى “اللسان” الذي نزل به القرآن، فقال تعالى “بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ”، ولم يكتف بقوله “بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ”، وجاء هذا الوصف لـ “الكتاب”، ولـ “القرآن” معًا:
يقول الله تعالى:
* “طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ”
* “الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ”
إن “المبين” هو الشيء “البَيّن” في نفسه الكاشف لمعناه، الأمر الذي يستحيل أن يتحقق بمعزل عن “مُسمّى” الشيء الموجود خارج الكلمة، وهو ما أسميه بـ “المقابل الكوني”.
٢- أما في الحالة الثانية:
“أنهم كانوا يتكلمون بلغة عربية”:
فأنت هنا تشير إلى “المنطوق” الذي نطق به لسان العرب، وليس إلى “آية النطق” التي يحملها الناس جميعًا، وقال الله عنها:
“أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ . وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ”
٣- وبناء على ما سبق، جعل الله “عجز العرب” عن الإتيان “بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ” برهانًا على صدق “نبوة” رسوله محمد، فقال تعالى:
“فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا” – “وَلَنْ تَفْعَلُوا”
انظر وتدبر “وَلَنْ تَفْعَلُوا”.
إن الإتيان بمثل سورة من سورة القرآن ليس معناه الإتيان بكلمات وجمل “بلاغية” مثل التي في السورة، وإنما الإتيان بـ “مُسمّيات” هذه الكلمات الموجودة خارج القرآن.
٤- إن “كلام الله” ليس هو المدون في كتاب الله المقروء فقط، وإنما هو أيضا المشاهد في كتاب الآفاق والأنفس.
ولذلك قال تعالى عن البراهين المثبتة لحجية كتابه:
“سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ”
ولذلك على من يريد التشكيك في أن القرآن “كلام الله” أن يخلق مثل مسمّيات كلماته، وهو أمر مستحيل، لأن الله تعالى يقول:
“قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً”
# رابعًا:
قاصمة “٤”
يقولون “القرآن وكفى”، لأن الله لم ينزل على رسول الله وحيًا غير “الوحي القرآني”!!
ولذلك كفروا بكيفية أداء جميع الأحكام التي جاءت “مجملة” في كتاب، بدعوى أن القرآن لم يُبيّن كيفية أدائها، وفي مقدمتها “الصلاة”.
فكيف تَعَلَّمَ “الذين آمنوا” في عصر الرسالة كيفية أداء ما أجمله القرآن من أحكام، وهل الكيفيّات التي تعلّموها هي نفسها التي يؤدّيها المسلمون اليوم؟!
# العاصمة “٤”:
١- يقول الله تعالى في سورة الشورى “الآية ٥١”:
“وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ”
إن الله تعالى يخاطب رسله بطرق ثلاثة:
* “وَحْياً”
* “مِن وَرَآءِ حِجَابٍ”
* “يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ”
هذه هي طرق “كلام الله” مع رسله، وكلها يسميها الله وحيًا “فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ”، وعطف كلمة “كذلك” في قوله تعالى:
* “وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا”
أي وبمثل هذه الطرق “أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ”، أي أن الله خص رسوله محمدًا بأنواع الوحي الثلاثة، وهذا ما شهدت به آيات الذكر الحكيم:
٢- يقول الله تعالي في سورة التحريم “الآية ٣”:
* “وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً”
لقد تحدث النبي مع زوجه في شيء، ما كان لها أن تخبر به أحدًا، فذهبت وأفشت ما أسر إليها به:
* “فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ”
فأخبر النبي زوجه ببعض ما فعلته، وليس بكله:
* “عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ”
* “فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا”
فزوج النبي تسأله عن مصدر معلوماته لأنها لم تر قرآنًا نزل بتفاصيل الواقعة، فكان جواب النبي أن مصدره “وحيٌ غير قرآني”:
* “قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ”
٣- وحسب أصول البحث العلمي، فإذا حمل القرآن دليلًا واحدًا على وجود وحي بغير القرآن، كان يتنزل على النبي، فقد سقطت دعوى “القرآن وكفى” من قواعدها.
ومع ذلك تعالوا نضرب أمثلة أخرى على حجية “الوحي الثاني”:
أ- “وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ”
لقد وعد الله رسوله أن يكون مصير إحدى الطائفتين لهم، وكان هذا بوحي “غير قرآني” ثم بلغ الرسول صحابته بأن النصر لهم.
ب- “إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا”
لقد حدث كلام بين الله ورسوله خلال هذه الرحلة لم ينزل به قرآن.
ج- “وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ..”
لقد أخبر النبي صحابته بما رآه في هذه “الرُّؤْيَا”، وسمع المشركون الخبر، فكان لهم فتنة، ولم يُصدّقوه.
د- “لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ..”
لقد رأى النبي “رؤْيَا” تحققت، ثم نزل القرآن يشير إلى موضوعها.
هـ- النص على أن الله يُعلم أنبياءه “عمليًا” ما أجملته “الآيات”، وقد ضرب لنا المثل بنبيه “نوح” عليه السلام.
“وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ”
لقد علم الله نوحًا كيفية صناعة الفلك عمليًا، بقرينة “بِأَعْيُنِنَا”، وهي “استعارة” بلاغية ولا يراد حقيقة الأعين، ثم قال “وَوَحْيِنَا”.
و- ونلاحظ أن الله تعالى قال للنبي محمد:
* “إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ”
وكما هو معلوم أن “جبريل” يمكن أن يتمثل في صورة بشر:
* “فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً…”
ز- وقد أرسل الله الملائكة على هيئة بشر إلى إبراهيم، عليه السلام:
* “إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ”
وأرسلهم إلى لوط:
* “وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً ..”
وأرسل الله الملك إلى مريم:
* “.. فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً”
إذن فـ “جبريل” كان ينخلع من صورته الملكية، ويتمثل في صورة بشر، ليؤدي المهام التي كلفه الله بها.
فلماذا ينكرون أن يُعلم “جبريل” النبي كيفية أداء ما أجمله القرآن من أحكام، بـ “وحي غير قرآني”؟!
ح- لقد رأى النبي “جبريل” وهو ينزل عليه بـ “الوحي”:
* “فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى”
* “مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى . أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى”
* “وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ . وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ”
* “وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى … مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى”
وبناء على ما سبق، فإن هذا “الوحي الثاني” هو الذي علّم النبي كيفية أداء ما أجمله القرآن من أحكام، وفي مقدمتها أحكام “الصلاة”، التي ينكرها أصحاب بدعة “القرآن وكفى”.
# خامسًا: قاصمة “٥”
لقد أجمعت كتب التفسير على أن النبي محمدًا كان لا يقرأ ولا يكتب، لا قبل البعثة ولا بعدها، فذهب أصحاب بدعة “القرآن وكفى” إلى القول بأن النبي كان يقرأ ويكتب، لماذا؟!
لأن هذا هو منهجهم في التفكير، أن يخالفوا كل ما جاء به تراث “السلف” الديني حتى ولو كان قرآنًا، بدعوى وجود بعض الآيات الدالة على أن القرآن نزل مكتوبًا.
# العاصمة “٥”:
١- لقد طلب الكافرون من رسول الله “الآيات الحسية”، وكان مما طلبوه أن ينزل القرآن عليهم مكتوبًا، فتدبر:
“وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً … وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه..”.
ولذلك قال الله لرسوله:
“وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ”
وتعتبر هذه الآية من البراهين “قطعية الدلالة” على أن القرآن لم ينزل على النبي صحفًا مكتوبة، فكيف يكون “كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ”، ثم يسألوا النبي أن يُنزل عليهم “كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ”؟!
٢- لقد بدأت “الآية ٥١” من سورة الشورى بقوله تعالى:
“وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ”
ولقد جاءت جملة “يُكَلِّمَهُ اللَّهُ” في سياقها البلاغي المحكم، لبيان أن طرق “الوحي” عبارة عن “كلام”، وليس “صحفًا مدونة”.
ويقذف الله هذا “الكلام” في قلوب أنبيائه بعلم يقيني لا شبهة في أنه من عند الله، وليس من بين طرق الكلام أن القرآن نزل مكتوبًا.
٣- لقد سمع النبي القرآن من “جبريل”، وما سمعه انطبع في قلبه، بعد متابعة ومراجعة دقيقة لما تلقاه النبي، فيقول الله تعالى:
* “لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ” – “إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ” – “فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ” – “ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ”
ويقول الله تعالى في سورة طه “الآية ١١٤”:
“وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا”
ولو كان القرآن يتنزل مكتوبًا ما كانت هناك حاجة إلى أن يتعجل النبي بقراءته مع جبريل من قبل أن يقضى إليه وحيه، مخافة نسيانه، وما كان يعيش حالة من التوتر عند متابعته لجبريل، فقال الله تعالى له:
* “سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى”
أي عليك أن تردد ما قرأناه عليك، ولا تخشى نسيانه.
٤- عندما اتهم الكافرون النبي بأنه أخذ القرآن عن أهل الكتب السابقة، نزل القرآن يرد على هذه الشبهة، ويقول الله في سورة العنكبوت “الآية ٤٨”:
* “وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ”
فـ “النبي” لم يكن من علماء “أهل الكتاب”، ولم يقرأ كتبهم، ولا خطّها بيمينه، فمن أين جاءهم الارتياب؟!
٥- لقد بعث الله رسوله محمدًا في قوم “مشركين” لم يسبق أن أرسل إليهم رسولًا، فقال تعالى:
“لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ”
ولذلك سمّاهم الله بـ “الأُمِّيِّينَ”:
“هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ”
بل وسمى “النبي” نفسه بـ “الأمي” نسبة إلى قومه:
“فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ”
ولا علاقة مطلقًا بيّن كلمة “أمي”، التي هي وصف لمن لم يسبق له اتباع كتاب إلهي، وبين أن النبي كان “يقرأ ويكتب”، لأن هذه مسألة أخرى، ليس دليلها الآيات التي استندوا إليها.
٦- مما لا شك فيه أن “النبي” كان يقرأ ويكتب، فيستحيل أن يجعل الله الآية الدالة على صدق نبوته “آية قرآنية عقلية” وهو لا يقرأ ولا يكتب، فأين نذهب بقوله تعالى:
* “إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ (تَعْقِلُونَ)”
وقوله تعالى:
* “كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ (يَعْلَمُونَ)”
وإن الذين يقولون إن الله جعل “النبي” لا يقرأ ولا يكتب حتى لا يتهمه الكافرون بأنه الذي كتب القرآن، هؤلاء جهلاء لا “يعقلون”، ولا “يعلمون”.
إن الذين عجزوا عن الإتيان بسورة مثل سور القرآن لم يكن عجزهم بسبب أنهم لم يكونوا في قمة بلاغة وفصاحة القراءة والكتابة، وإنما بسبب قوله تعالى:
“قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً”
أي أن القضية خارج حدود علم وقدرات وبلاغة الإنس والجن.
٧- ولذلك كان علينا أن نفهم معنى “الذكر” الذي ورد في قوله تعالى:
“إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا (الذِّكْرَ) وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”
ولماذا لم تأت الآية على النحو التالي:
“إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا (الكتاب) وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”
أو على هذا النحو:
“إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا (القرآن) وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”
لأن “الكتاب” يشير إلى “المكتوب”، و”القرآن” يشير إلى “المقروء”، وقد تختلف بعض كلمات الكتاب ورسمها لأسباب بلاغية، ولكنها تظل في إطار الحفظ الإلهي.
أما “الذكر” فإنه لا يقوم على المكتوب ولا على المقروء، وإنما على “الصورة الذهنية” التي تُطبع في القلوب لـ “مُسمّى” الكلمة الموجود خارجها والذي يستحيل “تذكر” الكلمة دون معرفته.
مثال:
عندما يقول الله تعالى مخاطبًا ملل الكفر كلها:
“إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ”
فالذين نجحوا في محاكاة هذه الجملة والإتيان بمثلها، نقول لهم ليس هذا هو مفهوم “المثلية”، وإنما عليكم الإتيان أيضا بـ “مُسمّيات” كلمات هذه الآية، وأن تخلقوا “ذبابة” واحدة.
ولماذا لم يقل الله تعالى “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ” دون “وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ”، باعتبار أن الذي ينزله الله من المفترض أن يحفظه؟!
فهل حفظ الله الكتب السابقة، أم طلب من أهلها أن يحفظوها، فقال تعالى:
“.. بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ..”
فكانت النتيجة: أنهم حرفوا كتبهم!!
ولذلك فإن عجز “أهل اللسان العربي” عن الإتيان بسورة مثل سور القرآن، لم يكن بسبب عجزهم عن الإتيان بالمكتوب، وإنما بسبب استحالة الإتيان بـ “مقابله الكوني”.
وهذا هو السبب في أن المكذبين لم يجدوا شيئًا يقولونه أمام هذا “الذكر” إلا:
“وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ”
# سادسًا: قاصمة “٦”
يقولون إن القرآن لم يُجمع في حياة النبي، وإنما جمعه الصحابة مع على كذا وكذا …، أكثر من مرة، حتى جاء الخليفة الثالث عثمان بن عفان وجمعه الجمعة الأخيرة، وكان لا يقبل الصحف إلا إذا كان عليها شاهدان.
# العاصمة “٦”:
١- لقد توفي رسول الله محمد، عليه السلام، وقد ترك للناس نصوص “آيته العقلية القرآنية” محفوظة في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لماذا؟!
لأنه مرتبط بكتاب الكون، مرتبط بآيات الآفاق والأنفس، مرتبط بـ “الذكر” الذي تعهد الله تعالى بحفظه.
٢- لقد توفي رسول الله محمد، عليه السلام، وقد ترك للناس مع نصوص “آيته العقلية القرآنية”، كيفيات أداء ما أجملته هذه النصوص من أحكام، والتي تعلمها النبي بوحي “غير قرآني”.
لقد توفي رسول الله محمد، عليه السلام، ولم يترك وراءه ما يدعو “الذين آمنوا” إلى الانقلاب على أعقابهم:
* “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ”
* “أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ”
٣- لقد انقلبوا على أعقابهم، وقُتل الخليفة الثالث بأيدي “متأسلمة”، وسفكت دماء آلاف المسلمين في أحداث الفتن الكبرى، وتفرق المسلمين إلى فرق ومذاهب عقدية متخاصمة، وما زالوا على حالهم إلى يومنا هذا.
٤- لقد توفي رسول الله محمد، عليه السلام، وقد حذر الله الذين آمنوا من “الشرك بالله”، إن هم “تفرقوا في الدين”، وقد أعطوا ظهورهم لأمر الله وتفرقوا.
فلا غرابة، ولا عجب، أن يفتري المسلمون على الله ورسوله أي شيء يخدم مصيبة تفرقهم في الدين.
٥- إن الذين أفتوا بسفك دماء بعضهم بعضًا في الفتن الكبرى، هم الذين أفتوا بأن تفرقهم في الدين “رحمة”، ولو كانت الفتوى على حساب تحريف كلام الله!!
لقد اعتبروا “القرآن” رواية مثل الروايات التي صنعوها بأيديهم، وادعوا أن جمعه كان بعد وفاة النبي، وأن هذا الجمع قام على نفس شروط جمع “الأحاديث”، من اشتراط العدالة حتى تُقبل الآية من الصحابي وتُدوّن في المصحف!!
ولذلك فهم يؤمنون أنك إن هدمت “الأحاديث” فقد هدمت “القرآن” لأن رواة “الأحاديث” هم رواة “القرآن”!!
طبعا الذي يؤمن بهذا الهراء كافر بالله وبرسوله وبالقرآن.
ولا تسألني بعد ذلك أين نجد “دين الإسلام” الذي ارتضاه الله للناس.
محمد السعيد مشتهري
مرفق روابط المنشورات المبيّنة والمُفصّلة للمحاور الرئيسة التي وردت في القواصم والعواصم، والتي نشرتها من قبل تحت عنوان على هامش منشور “القواصم والعواصم – 1”:
١- “وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا”
https://islamalrasoul.com/91-23122013
٢- احذروا التقول على الله بغير علم
https://islamalrasoul.com/377-1392015
٣- هل القرآن “آية إلهية” أم “معجزة بشرية”؟!
https://islamalrasoul.com/497-282016
٤- على أي أساس نفهم القرآن؟!
https://islamalrasoul.com/508-2692016
٥- أزمة التوجهات الفكرية القرآنية
https://islamalrasoul.com/509-2892016
٦- هل كان الرسول متبعا لملة إبراهيم حنيفا؟!
https://islamalrasoul.com/515-7102016
٧- قصتي مع “منظومة التواصل المعرفي”
https://islamalrasoul.com/528-23102016
٨- السياق القرآني وأزمة التدبر
https://islamalrasoul.com/529-27102016
٩- وسقطت “المنهجية العشوائية” في الهاوية، وبلا عودة
https://islamalrasoul.com/530-29102016
١٠- “موسوعة الفقه القرآني المعاصر”
https://islamalrasoul.com/536-15112016
١١- خدعوهم فقالوا “لا مجاز في القرآن”!
https://islamalrasoul.com/542-29112016
١٢- علم “البيان” والقرآن “المبين”
https://islamalrasoul.com/544-5122016
١٣- “المجاز” وتنزيه الله عن “الإتيان والمجيء”
https://islamalrasoul.com/545-6122016
١٤- “إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ”
https://islamalrasoul.com/549-11122016
١٥- عندما يتقاتل “اللسان” مع لغته “العربية”
https://islamalrasoul.com/625-3012017
١٦- “أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ”
https://islamalrasoul.com/641-1222017
١٧- حول “منظومة التواصل المعرفي”
https://islamalrasoul.com/642-1322017
١٨- هل عرف العرب “يد الله”؟!
https://islamalrasoul.com/683-1132017
١٩- إن أعظم المنكرات تحريف مُسمّيات كلمات الله “١٠”
https://islamalrasoul.com/719-1942017
٢٠- إن أعظم المنكرات تحريف مُسمّيات كلمات الله “١١”
https://islamalrasoul.com/720-2042017
٢١- إن أعظم المنكرات تحريف مُسمّيات” كلمات الله “١٢”
https://islamalrasoul.com/721-2142017
٢٢- “لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ”
https://islamalrasoul.com/813-972017
٢٣- كيف يُرسل الله الرسول بـ “لسان قومه”؟!
https://islamalrasoul.com/814-1072017
٢٤- إنهم أجهل من “الجهل” نفسه!!
https://islamalrasoul.com/811-8102017
٢٥- فأين ذهب “لسان القرآن” يا أهل “القرآن”؟!
https://islamalrasoul.com/812-9102017
٢٦- أين مرجعية “لسان العرب” الذي نزل به القرآن؟!
https://islamalrasoul.com/821-18102017
٢٧- من “بديع البيان” لـ “آية القرآن”
https://islamalrasoul.com/822-18102017
٢٨- الفرق بين “اللغة” و”اللغو”
https://islamalrasoul.com/836-28102017
٢٩- “بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ”
https://islamalrasoul.com/837-29102017
٣٠- عندما ينطق القرآن بالدلالات المجازية
https://islamalrasoul.com/843-2112017
٣١- ماذا يعلم “الملحدون المسلمون” عن “ال” التعريف؟!
https://islamalrasoul.com/844-3112017
٣٢- الاستعارة وبيان بلاغة المعاني القرآنية
https://islamalrasoul.com/947-5112017
٣٣- منطقيات وبدهيات يجب الاتفاق عليها
https://islamalrasoul.com/792-2762017
٣٤- ظاهرة الإلحاد في الآيات القرآنية “الأخير ٢-٣”
https://islamalrasoul.com/801-272017
٣٥- المنهج اللفظي الترتيلي
https://islamalrasoul.com/685-1432017
٣٦- “الأربعون” منشورًا، والقواصم “العشر”
https://islamalrasoul.com/616-2412017
٣٧- فقه الناطق والمنطوق “١”
https://islamalrasoul.com/646-1622017
٣٨- فقه الناطق والمنطوق “٢”
https://islamalrasoul.com/647-1722017
٣٩- فقه الناطق والمنطوق “٣”
https://islamalrasoul.com/648-1722017
٤٠- فقه الناطق والمنطوق “٤”
https://islamalrasoul.com/649-1822017
٤١- فقه الناطق والمنطوق “٥”
https://islamalrasoul.com/650-1922017
٤٢- فقه الناطق والمنطوق “٦”
https://islamalrasoul.com/651-2022017
٤٣- فقه الناطق والمنطوق “٧”
https://islamalrasoul.com/654-2122017
٤٤- فقه الناطق والمنطوق “٨”
https://islamalrasoul.com/656-2222017
٤٥- منهجية القرآن وكفى والتقول على الله بغير علم “٨”
https://islamalrasoul.com/658-2422017
٤٦- فقه الناطق والمنطوق “٩”
https://islamalrasoul.com/659-2522017
٤٧- فقه الناطق والمنطوق “١٠”
https://islamalrasoul.com/660-2522017
٤٨- يَعْصُون النبوة، ويُصلّون على النبي “٢٦”
https://islamalrasoul.com/590-1312017
٤٩- يَعْصُون النبوة، ويُصلّون على النبي “٢٧”
https://islamalrasoul.com/591-1312017
٥٠- يَعْصُون النبوة، ويُصلّون على النبي “٢٨”
https://islamalrasoul.com/592-1312017
٥١- يَعْصُون النبوة، ويُصلّون على النبي “٢٩”
https://islamalrasoul.com/593-1312017
٥٢- يَعْصُون النبوة، ويُصلّون على النبي “٣٠”
https://islamalrasoul.com/594-1412017
٥٣- يَعْصُون النبوة، ويُصلّون على النبي “٣١”
https://islamalrasoul.com/595-1412017