هل هناك «مسلم عاقل» لا يحزن على موت عائلته في حادث، ويترك المُعزّين ويذهب يلهو في الملاهي، أو في السينما؟!
يقولون: إن «الحياة» يجب أن تستمر، وإن «السفينة» يجب أن تبحر، وأعلم أن هذه حقيقة يشهد لها الواقع، ولكن:
على أي أساس تسير «الحياة»؟!
وإلى أي جهة تبحر «السفينة»؟!
إن «الميت» قد لا تمضي على وفاته أيام، وأحيانًا ساعات، وتعود حياة أسرته إلى ما كانت عليه قبل وفاته، ولكن:
ما الذي قدمه «الميت» لـ «دين الله»؟!
وماذا قدّم الإنسان لأولاده قبل موته؟!
وماذا قدّم الأولاد للوالدين، هذه «الفريضة» التي يستحيل أن يؤديها الأولاد بعد موتهما؟!
أولًا:
إن «سفينة المسلمين» تبحر في عكس اتجاه «سفينة القرآن».
إن كل ما يفعله المسلمون كلما شاهدوا «سفينة القرآن» وهي تسير عكس سير سفينتهم، يقدمون لها التحيات ويهتفون:
«القرآن دستورنا»، و«القرآن قراءاتنا المعاصرة».
عندما ينظر المسلمون إلى الواقع الذي يعيشون فيه، وماذا تفعل الدول، اجتماعيًا وماليًا واقتصاديًا، وماذا تقدم أجهزة الإعلام المختلفة للناس، وماذا يفعل الناس في بيوتهم، ومع أولادهم.
ثم يتدبرون كتاب الله، الذي حمل في ذاته «الآية العقلية القرآنية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد.
فهل سيجدون أن هذا الواقع مطابق لما جاء في القرآن، وأنهم قد أقاموا الشهادة على الناس كما أمرهم الله:
* «وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ»؟!
ثانيًا:
وعندما يعقب الأمر بالشهادة على الناس قوله تعالى:
* «فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ»
فهل يمكن أن يقبل الله من المسلمين صلاتهم، وزكاتهم، قبل تنفيذ الأمر الأول، وقد أعطوا ظهورهم للأمر الثالث:
* «وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ»؟!
وهل موقفهم هذا يعني، أن فعالية القرآن قد انتهت بموت النبي، وبموت الجيل الأول من المسلمين؟!
وإذا كانت فعالية القرآن لم تنته بموت النبي، ولا بموت «الجيل الأول»، فلماذا إذن لم يتكرر هذا الجيل مرة أخرى؟!
وإذا كانت «الفتن الكبرى» قد مزقت وحدة المسلمين، فتفرقوا في الدين إلى فرق ومذاهب عقدية يكفر بعضها بعضًا، وقد ظل الحال على ما هو عليه إلى يومنا هذا.
فمن الذي سيغير حال المسلمين، ويعود بهم إلى ما كان عليه النبي والذين آمنوا معه، قبل ظهور التوجهات الدينية المختلفة على ساحة «الفكر الإسلامي»؟!
ثالثًا:
إن أخطر ما في هذه الظاهرة الفكرية الإسلامية، التي نراها أمامنا اليوم، وتنقلها يوميًا وسائل الإعلام المختلفة، أنها إما:
١- تشهد أن هذا «القرآن» كان للعرب المعاصرين للنبي محمد خاصة، ثم انتهت فعالية «آيته» بعد وفاة النبي، كما انتهت فعاليات «الآيات الحسية» التي أيد الله بها الرسل السابقين.
٢- تشهد أن تفرق المسلمين في الدين إلى فرق ومذاهب عقدية، قد فتن قلوبهم، فغاب عنها «الدين» الذي ارتضاه الله للناس، وحل محله «الدين» الذي ارتضته مذاهبهم.
لذلك لم يستطيعوا العودة إلى «إسلام الرسول».
فماذا كانت النتيجة؟!
لقد ذهب المسلمون بعيدًا جدًا عن «إسلام الرسول»، عن «الدين» الذي ارتضاه الله للناس، ظنًا منهم:
أن نطقهم بـ «الشهادتين» سينفعهم في الآخرة.
وأن «الإيمان والعمل الصالح» سينجيهم من نار جهنم.
لأنهم لم يتدبروا القرآن، لوجود أقفال المذهبية على قلوبهم.
يقول الله تعالى:
* «لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ»
* «مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ …»
* «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ»
* «فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً»
إذن فلن يقبل الله عملًا صالحًا لا يقوم على الإقرار بأصول الإيمان الخمسة، التي ذكرها الله في كتابه، القرآن الحكيم.
ثم تدبر ماذا قال الله بعدها مبيّنا أن هناك قاعدة يجب أن تقوم عليها أصول الإيمان، وهي «الملة الحنيفية»، وليس الإيمان بالله فقط:
* «وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً»
رابعًا:
ولذلك اشترط الله شرطًا لن يقبل من أحد إيمانه ولا إسلامه ولا عمله الصالح، دون تحققه، وهو:
* «يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً»
ثم تدبر ماذا لو أنهم أشركوا:
* «وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»
إن «الوحدانية» هي أول الطريق نحو «إسلام الرسول»، هذا الطريق الذي أذكركم به دائما.
ثم تدبر كيف كان التحذير من الشرك لـ «الذين آمنوا وعملوا الصالحات»، الأمر الذي بينته الآية من بدايتها بقوله تعالى:
* «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»:
وهذا هو الوعد:
١- «لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ»
٢- «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»
٣- «وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً»
ثم جاء بعد ذلك بالشرط الذي على أساسه يتم تنفيذ الوعد:
* «يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً»
إنني لا أتصور، أن توجد هذه الآية في كتاب الله، والتي هي برهان قطعي الدلالة على فساد «التدين» الذي يتدين به المسلمون اليوم، ثم أراهم يعيشون وأولادهم سعداء بحياتهم الدنيا، وقد أعطوا ظهورهم للدين الذي ارتضاه الله لهم!!
إن ذلك إن دل على شيء، فإنما يدل على حالة «الغيبوبة الدينية» التي يعيش المسلمون بداخلها، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعًا.
أظن أنكم عرفتم الآن:
# لماذا يسير المسلمون عكس الاتجاه؟!
# ولماذا يكرهون السير «نحو إسلام الرسول»؟!
– لأن السير في الاتجاه الصحيح سيفقدهم كثيرًا من زينة الدنيا!!
# ولماذا أكرر دائما هذه الآية «الآية ٥٥ من سورة النور» في منشوراتي؟!
– لأنها المحور الأساس لمشروعي الفكري، والذي أرى أنه لا يجب أن ينشغل المسلمون بغيرها حتى يتحقق وعد الله، وإلا كانوا «منافقين» يلبسون «ثوب الإسلام»!!
محمد السعيد مشتهري