نحو إسلام الرسول

(1011) 11/1/2018 «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»

إن اجتماع الأمر بـ «إقام الصلاة» و«إيتاء الزكاة» في سياق بيان العلاقة التي يجب أن تربط المؤمنين بعضهم ببعض، وهي علاقة الولاء والأخوة الإيمانية، يجعلنا نتوقف كثيرًا عن بيان «أحكام القرآن» قبل أن نقوم بتأصيلها وبيان القواعد التي قامت عليها.

كثير من الأصدقاء يهمهم معرفة «الحكم»، بصرف النظر عن تأصيله وبيان قواعده، وهم معذورون، لأن ما يوجد على الساحة الفكرية الدينية يُنذر بخط عظيم.

ولكن هذا الخطر لا يمكن مواجهته إلا بـ «العلم»، حتى لا تتحول الحوارات إلى «جدل عقيم»، كما هو حال معظم حسابات الفيس بوك، ومعظم ما يُعرض على القنوات الفضائية ثم ينتهي بـ «خناقة»!!

إن السياق الذي وردت فيه هذه الآية، موضوع المنشور، يبدأ بقوله تعالى:

* «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا»

ثم قال بعدها:

«الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»

ثم جاء قوله تعالى:

* «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ»

فأين «حزب الله» الذي يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، وأفراده طائعون راكعون خاضعون لله، وليس لأئمة الفرق والجماعات التي تدّعي أنها «إسلامية»، ويأخذون «أحكام القرآن» من أئمتهم «المذهبيّين»؟!

إننا أمام أمة من المسلمين «مُغيّبة»، تعيش دنياها وهي تعتقد أن تديّنها المذهبي هو «الدين» الذي ارتضاه الله للناس، والحقيقة أن الله لم يمكن للمؤمنين «الدين» الذي ارتضاه لهم.

إنها أمة من المسلمين «مُغيّبة» عن مفهوم «الولاء» الذي لا يتحقق إيمان المرء وإسلامه إلا إذا كان هو الرابطة الإيمانية التي تربطه بـ «مجتمع الإيمان والعمل الصالح»، فتدبر:

* «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ»

* «يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ»

ثم تدبر ماذا قال الله بعدها:

* «وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ»

* «وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»

* «أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»

إن «الولاء» هو صلة الحب والقرب التي تجمع المؤمنين، والتي من ثمارها «التأييد والنصرة»، ولكن يجب أن يكون مصدره الله تعالى، وهذا ما حملته هذه المسألة «البلاغية» التي سأبينها:

يقول الله تعالى:

* «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا»

فماذا لو أن سياق هذه الآية، الذي جاء المخبر به «متعددًا»، جاء على النحو التالي، الصحيح «لغويًا»، وليس «بلاغيًا»:

# «إِنَّمَا (أولياؤكم) اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا»

إن «أولياءكم» يتساوى معها الجميع في «الولاء».

ولما كان الأصل أن «الولاء» لله تعالى، اقتضى ذلك التفريق بين «الأصالة» و«التبعية»، فجاء أولًا بالأصل «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ» ثم تبعه «وَرَسُولُهُ»، ثم تبعه «الَّذِينَ آمَنُوا».

ولقد جاء الأمر بـ إقام الصلاة»، و«إيتاء الزكاة» وسط هذه المنظومة الإيمانية، فتدبر الصفات الخاصة بأفرادها:

# «أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ»

# «يَأْمُرُونَ .. وَيَنْهَوْنَ ..ِ»

# «يُقِيمُونَ .. وَيُؤْتُونَ ..»

# «وَيُطِيعُونَ …»

# «أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ»

إنها «الرحمة الإلهية» التي غابت عن حياة المسلمين قرونا من الزمن، يعيشون مَعِيشَةً ضَنكاً «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» بتدينهم الوراثي، الذي لا يحمل إلا «الكلام»!!

وهل «كلام» المسلمين يكون في يوم من الأيام مثل «كلام الله» الذي يحمله كتابه الذي بين أيديهم؟!

فماذا فعل «كلام الله» في حياتهم عبر قرون مضت، وإلى يومنا هذا؟!
لم يفعل شيئًا، لماذا؟!

إن كل ما يهم «المسلمون» أداء «الشعائر» والجدل حول «أحكام القرآن»، ولا أدري على أي «ملة» يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وقد أصبح «الولاء» للأئمة، بجميع توجهاتهم، وليس لله تعالى؟!

إن «الولاء الإيماني» بهذه الصفات التي ذكرها الله في الآية، هو الذي يُميّز المؤمنين بـ «رسالة النبي محمد»، عن غيرهم من أتباع الملل الأخرى، ولذلك سبق هذه الآية قوله تعالى مخاطبا المؤمنين:

* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»

* «لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ»

* «بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ»

* «وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ»

* «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»

إن هذا «الولاء» هو الذي يجعل «المؤمن» يؤدي جميع الشعائر التعبدية، من صلاة وزكاة وصوم وحج..، وهو خاضع راكع لجميع أوامر الله ونواهيه، ولذلك قال تعالى:

«وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»

وعندما نريد أن نفهم جملة كهذه يجب أن نبدأ الآية من أولها، حيث يبيّن الله أن من صفات المؤمنين أنهم:

«يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»

نحن أمام فعل «يُقِيمُونَ»، وفعل «يُؤْتُونَ» المغاير له تمامًا، ثم جاء قوله تعالى: «وَهُمْ رَاكِعُونَ» حالا من فاعل الفعلين، وهو المؤمنون الذين «يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ» وهم خاشعون متواضعون خاضعون لله تعالى.

وهنا يجب أن أبيّن أن «مُسمّى» الكلمة، في السياق القرآني، قد يكون «ماديًا» حسيًا مشاهدًا، وقد يكون «معنويًا» قلبيًا غير مشاهد، ومثال ذلك «مسمى» كلمة «الصلاة».

# معناها المعنوي، الذي هو «الدعاء»، يقول الله تعالى:

* «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ»

«وَصَلِّ عَلَيْهِمْ»: هل يضعهم أمامه في اتجاه القبلة ويصلي عليهم صلاة الجنازة، لتكون هذه الصلاة «سَكَنٌ لَهُمْ»؟!

# معناها المادي، الذي هو «الهيئة»، يقول الله تعالى:

* «وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ..»

* «فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ»

وهذا هو «المنطق» في حالة الحرب، حماية المصلين وهم «سجود».
ولقد جاء «الركوع» في قوله تعالى:

«وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»

بالمعنى «المعنوي»، وليس «الحسي» الذي هو ركن من أركان الصلاة، وذلك لأن هذا «الركوع» قد شملته «هيئة الصلاة» في قوله تعالى قبله «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ».

ومعلوم أن «الخشوع» شرط لصحة الصلاة، فكيف يبيح الله لـ «المصلي» أن ينشغل بدفع الزكاة وهو «راكع»؟!

إلا إذا كان المعنى المقصود بـ «الركوع» لا علاقة له بـ «ركوع هيئة الصلاة»، وإنما أن ينحني المؤمن انحناء الركوع، لمن يعطيه الصدقة.

هذا إن أردنا أن نفهم «الركوع» بمعناه «الحسي» الذي له أصل في لسان العرب، وهو «الانحناء»، يقال:

# عن المعنى الحسي: «ركع الشيخ» عندما ينحي ظهره من الكبر.

# وعن المعنى المعنوي:

– «ركع الرجل» عندما تتدهور معيشته ويصير فقيرًا بعد أم كان غنيًا.

– و«فلان ركع لفلان» أي خضع له.

والحقيقة أن هيئة الصلاة كلها، من «قيام وركوع وسجود»، تعبر عن مقامات العبودية الخالصة لله تعالى، ومنها الطاعة والخشوع والخضوع والتواضع ..، وكل مقام يُفهم في سياقه.

ولما كان على المنفق أن يكون «متواضعًا» أثناء إيتاء الصدقة لمن يستحقها، لتزكوا بها نفسه، استخدم السياق لفظ «الركوع» ليناسب هذا المقام.

ولبيان أن على «المنفق» أن يضع نفسه مكان المستحق للصدقة، فقد تدور الأيام ويصبح فقيرًا بعد أم كان غنيًا، ويستحق الصدقة.

ومعذرة لتأخر بيان أحكام «الزكاة»، والتي قد لا يزيد بيانها عن فقرتين، لأني أرى أن التأصيل العلمي لأحكام القرآن هو «الفريضة الغائبة» عن ساحة الفكر الديني الإسلامي.

وللموضوع بقية

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى