نحو إسلام الرسول

(1010) 10/1/2018 «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ..»

لقد وردت كلمة «الزكاة» مُعرّفة بمفهومها العام في «٣٢» موضع منها «٢٧» موضع اقترنت مع «الصلاة» في آية واحدة، و«٣» مواضع جاءت كل كلمة في آية مستقلة، كقوله تعالى في سورة المؤمنون «الآية ٢، والآية ٤»:

* «الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ … وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ»

وجاءت «نكرة» بمعنى محدد «طهارة النفس وصلاحها» في موضعين هما:
قوله تعالى في سورة الكهف «الآية ٨١»:

* «فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً»

وقوله تعالى في سورة مريم «الآية ١٣»:

* «وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً»

وجاءت «نكرة»، بمعنى الصدقة، في موضع واحد، وهو «الآية ٣٩» من سورة الروم:

«وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ»

أولًا:

إن «الربا» عبارة عن «زيادة» تُضاف إلى «رأس المال» دون وسيط «عمل» يربط بين المال وهذه الزيادة.

وقد حرم الله «الربا» لأنه يزيد من أموال الناس دون عمل:

«لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ»

ولذلك لا قيمة لهذه «الزيادة» ولا وزن عند الله:

«فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ»

ثانيًا:

ثم يقول الله تعالى «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ»:

ولقد جاءت غير مُعرّفة «زكاة» لبيان أن المقصود تزكية النفس عن طريق «الصدقات» المفروضة على أموال المسلمين، لقوله تعالى في سورة البقرة:

«يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ»

أي لمقابلة «الصَّدَقَاتِ» بمال «الربا»، بشرط أن يكون إنفاقها «في سبيل الله» وابتغاء مرضاته:

«تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ»

حتى يضاعف الله رؤوس الأموال المؤمنين ببركة هذه «الصَّدَقَاتِ»:

«فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ»

ثالثًا:

ومن هنا نفهم أن كلمة «الزكاة» يجب أن تُفهم بمعناها العام، الذي سبق بيانه في المنشور السابق، إلا إذا جاء السياق بقرينة تخصصه.

وعندما تقترن «الزكاة» بـ «الصلاة» في «٢٧» موضع من مجموع «٣٢» إذن فالقضية لا تتعلق فقط بـ «الصَّدَقَاتِ» المفروضة، التي أشار إليها قوله تعالى:

* «وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ . لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»

ولا بغير المفروضة:

«وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»

ولا بدراسة شروط ومقدار «الزكاة»، وهل يجب أن يحول «الحول» على المال أم لا، وهل «زكاة الفطر» فريضة أم مباحة..، إلى آخر التساؤلات التي مصدرها مذاهب السلف الفقهية.

رابعًا:

إن «إقام الصلاة»، و«إيتاء الزكاة» مكونٌ أساسٌ يقوم عليه مجتمع «الإيمان والعمل الصالح»، يشمل الجانب الأخلاقي والسلوكي لأفراده، والجانب المالي والاقتصادي الذي تقوم عليه معيشتهم.

إن اقتران «إيتاء الزكاة» بـ «إقام الصلاة» يقتضي أن يكون هناك تفاعل بين ما يقوم به المسلمون من شعائر تعبدية، وبين واقع معيشتهم المالية والاقتصادية، وأن يقوم هذا التفاعل على طهارة القلب و«صدق» توجهه الإيماني.

إن الذي «يقيم الصلاة»، يجب أن تنهاه صلاته عن «الفحشاء والمنكر»، الأمر الذي لا يتحقق إلا إذا كان صادقًا مع ربه ومع نفسه.

والذي «يؤتي الصدقات» يؤتيها لتزكو نفسه وتطهر، الأمر الذي لا يتحقق إلا إذا كان هناك تلازم بين فعله وما آمن به قلبه.

فكما أن «إقام الصلاة» تنهى المسلم عن «الفحشاء والمنكر»، فكذلك «إيتاء الزكاة»، المادي أو المعنوي، يجعل رحمة الله ومغفرته تعمّ حياة المسلم.

لقد طلب موسى، عليه السلام، من ربه المغفرة لقومه، فقال:

* «أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا … فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ»

فقال الله تعالى له:

* «… عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ»

* «فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ»

تدبر موضع «إيتاء الزكاة» في هذا السياق، سياق الحث على «التقوى» والإيمان بـ «الآيات».

خامسًا:

إن «إقام الصلاة»، و«إيتاء الزكاة» مكونٌ أساسٌ يقوم عليه مجتمع «الإيمان والعمل الصالح»، ويستحيل التعامل مع الفريضتين بمعزل عن هذا المجتمع، فهما منظومة إيمانية واحدة، قوامها «الولاء الإيماني» الذي يربط أفرادها، فتدبر:

* «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ»

وعندما تحدث السياق عن المنافقين قال تعالى:

– «الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ»

فنلاحظ هنا عدم ذكر «الولاء» الذي يربط أفراد المجتمع الإيماني، لأن المنافقين لا إيمان في قلوبهم يربطهم، وإنما يأخذون الصفات الذميمة «بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ».

– المؤمنون:

* «يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ»

– المنافقون:

* «يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ»

– المؤمنون:

* «وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ»

– المنافقون:

* «وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ»

فهم لا يقيمون «الصلاة»، ولا ينفقون في سبيل الله.

ونلاحظ أن:

«وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ»

جاءت مقابل:

«وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ».

– والمؤمنون:

* «وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»

– والمنافقون:

* «نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ»

– والمؤمنون:

* «أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»

– والمنافقون:

* «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ»

والشاهد من هذا الاستدلال، أن نتدبر موقع قوله تعالى:

* «وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ»

وسط هذا السياق، لنقف على «المنهجية العلمية» الواجب اتباعها عند التعامل مع «أحكام القرآن».

سادسًا:

إذن فـ «الزكاة» مكون أساس، كـ «الصلاة» لمجتمع «الإيمان والعمل الصالح»، هذا المجتمع الذي يقوم على «الولاء الإيماني» و«الأخوة في الدين»، ولكن أين هذا المجتمع؟!

إن الله تعالى يقول في سورة الحج «الآية ٤١»:

«الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ..»

والتمكين في الأرض يبدأ بتمكين «الدين» الذي ارتضاه الله للناس جميعًا، لقوله في سورة النور «الآية ٥٥»، في سياق بيان ما وعد به الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فقال تعالى:

* «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»

فأين هذا «دين الله» الذي ارتضاه للناس، حتى نقيم «أحكامه»؟!

ولقد سبق «الآية ٤١» من سورة الحج، قوله تعالى «الآية ٤٠»:

* «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ»

* «صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً»

وتدبر الآيتين نعلم أنه عند تمكين دين الله في الأرض، يكون على «الذين آمنوا وعملوا الصالحات» مسؤولية إقامة «الصلاة» في «المساجد»، التي حفظها الله من «الهدم».

وكان من المنطقي أن تشمل فعالية تعهد الله بحفظ «الذكر» حفظ «هيئة الصلاة» في هذه «المساجد»، نقلا عن الجيل الأول من المسلمين، الذين كانوا يُصلّون في «المسجد الحرام» في عصر التنزيل، وما زالوا يُصلّون إلى يومنا هذا.

ولكنهم يفعلون ذلك وقد تفرقوا في الدين إلى «مذاهب عقدية» يُكفر بعضها البعض، ولم تعد هناك فعالية في قلوبهم لقوله تعالى:

* «هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا»

* «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ»

* «وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ»

* «فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ»

* «وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ»

* «فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ»

فكيف يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، وهم لم يعتصموا بالله؟!

وللموضوع بقية

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى