كلما بعد الزمان عن عصر الرسالة الإلهية، كلما ازداد التحريف والتبديل لها، واختلاط ما هو بشري بما هو إلهي!! ولقد جاءت الرسالة الخاتمة لتقيم خير أمة أخرجت للناس، ولولا أن الله تعالى تعهد بحفظ هذه الرسالة لحدث فيها مثل ما حدث للرسالات السابقة، من تحريف وتبديل. ولقد جاءت هذه الرسالة تحذر المؤمنين من البغي والاختلاف في الدين، بعد أن جاءتهم “الآية القرآنية”، حجة الله على العالمين إلى يوم الدين. وجاءت تبين أن طول الأمد، وارتكاب الذنوب، والاستسلام لفتنة الهوى، ووسوسة إبليس، يجعل الإيمان يخبو شيئاً فشيئاً، فتقسوا القلوب، وتفسق عن أمر ربها، وتضل صراطه المستقيم.
نعم، لقد قست قلوب المؤمنين، أتباع رسول الله محمد، عليه السلام، كما قست قلوب السابقين، فتفرقوا واختلفوا وتخاصموا وتقاتلوا!! ولكن المصيبة أن معظم المؤمنين، لا يعلمون أن القرآن قد جاء أصلا لإرجاع المختلفين المتقاتلين إلى الدين الإلهي الحق، فإذا بهم يختلفون، ويدّعون أنهم أتباع الدين الحق!! إنه عندما يقسو القلب، يخرج الإنسان من دائرة الإيمان بالدين الذي ارتضاه الله تعالى للناس كافة، إلى دائرة الإيمان بالدين الذي ارتضاه أئمته ومشايخه له!!
إننا في أشد الحاجة إلى الارتفاع إلى مستوى “الفهم القرآني”، إلى مستوى “العلم” بأن هذا الكتاب الإلهي، الذي يحمله المسلمون اليوم، هو في ذاته “آية قرآنية”، لا تفتح كنوزها إلا لمن وقف على أدوات وآليات فتحها. والمسلمون أصبحوا في ذيل النهضة والتقدم الحضاري، لا لأنهم عرب، ولكن لأنهم لم يقفوا على أدوات وآليات فتح كنوز “الآية القرآنية”، وتفعيلها على أرض الواقع، وانشغلوا بمجرد حفظ نصوصها، ودراستها، وتفسيرها، وكتابة آلاف الكتب في ذلك!!
* “أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ اُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ”