نحو إسلام الرسول

(1009) 9/1/2018 «وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ»

أولًا:

«إِقَامَ الصَّلَاةِ»:

كما أن «الوضوء»، الذي يسبق «الصلاة»، يعتبر تطهيرا للجوارح، فإن «الصلاة» تدخلها مقام العبودية والخضوع لله تعالى.

لذلك كان على المؤمن أن يستقطع أوقاتًا من يومه، ليشهد وتشهد جوارحه، «قيامًا وركوعًا وسجودًا»، خمس مرات يوميًا، أنه يعبد إلهًا واحدا لا شريك له، وأنه «يُكبّره تكبيرًا» داخل الصلاة وخارجها:

* «وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً»

* «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ»

* «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ»

* «وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً»

فـ «الله أكبر» من كل شيء يمكن أن يشغل المؤمن عن عبادة ربه:

* «إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا»

* «فَاعْبُدْنِي»

* «وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»

ولذلك كان يجب أن تقام «الصلاة» في «المساجد»، بشرط أن تُقام على «الوحدانية»:

«وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً»

ولقد بيّن الله أن «المصلي»، الذي فهم معنى «الله أكبر»، ولم تشغله دنياه عن تفعيل هذا المعنى في كافة شؤون حياته التعبدية والمعيشية، هو الذي يخاف الآخرة، فتدبر:

* «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ»

* «يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ»

* «رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ»

* «ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ»

* «يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ»

و«البُيُوت» التي «أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ»، و«يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ»، هي «المساجد».

قال تعالى مبيّنًا أن «البيت الحرام»، الذي هو الكعبة «جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ» موجود داخل «المسجد الحرام»، فقال تعالى في سياق بيان موقف المشركين من المسجد ومن البيت:

«.. وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ … وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً..»

وإن هذه الآيات، وغيرها، بل و«مُسمّيات» كلمات القرآن، يثبت حجية «منظومة التواصل المعرفي»، وأنه يستحيل فهم القرآن بمعزل عنها.

ثانيًا:

«إِيتَاءَ الزَّكَاةِ»:

ثم تأتي «الزكاة»، وتقترن بـ «الصلاة» في كثير من الآيات، ولم يأت القرآن بمعناها، كما لم يأت بمعنى «الصلاة»، فهل كان المؤمنون، الذين أمرهم الله بأداء الفريضتين، يعلمون عند نزول هذه الآية معنى الصلاة والزكاة؟!

لا شك أنهم كانوا يعلمون معنى كل كلمة من كلمات القرآن، وذلك قبل نزوله، لأنه نزل بـ «لسانهم العربي»، فكيف لا يفهمون ما نزل؟!

ثم حفظ الله من «لسان العرب» ما يستطيع الناس به فهم كلمات القرآن، حتى لا يأتي أحد يوم القيامة ويقول يا رب أنا لم أفهم القرآن.

فماذا حملت مراجع «اللغة العربية» عن معنى «الزكاة»، الذي لا وجود له أصلا داخل القرآن؟!

إن علينا أن نختار من مراجع اللغة ما يتناغم مع السياق الذي وردت فيه الكلمة، وهنا سنعلم كيف حفظ الله الذكر: «الكلمة ومُسمّاها».

١- إن «الزكاة» مصدر «زكا»، فـ «زكا الشيء» إذا نمى وزاد، و«زكا فلان» إذا صلُحت نفسه وزادت تقواه، وكل شيء ازداد فقد «زكا».

وعليه فـ «الزكاة» نماء وصلاح، وكل ما يتعلق بـ «طهارة النفس»:

«وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»

٢- إن كلمة «الزكاة» من الأسماء المشتركة، ولذلك لا يُفهم معناها إلا من خلال السياق الذي وردت فيه.

فـ «الزكاة» تطلق على قدر من المال يُزكى به، ويُعرف في السياق القرآني بـ «الصدقة»، قال تعالى مخاطبًا رسوله محمدًا:

«خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا..»

وهذه «الصدقة» التي تُطهّر النفس وتزكّيها، فرضها الله على «الذين آمنوا»، وبيّن وحدّد مصارفها.

ولكن «المسلمين» صَرَفَوا معنى «الصدقة» الفريضة، وجعلوها عملا «تطوّعيًا» حسب ما تجود به النفس!!

ومصارف «الصدقات» هي:

* «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ»

* «لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ»

* «فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ»

* «وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»

٣- وسُمّيت الزكاة «صدقة» من تصريف الفعل «ص د ق».

يقال، صدق في القول صداقًا وتصديقًا، وتَصدّقتُ بالمال تصدقًا، وصِدْق النفس «تزكيتها» بأن يتساوى «الفعل» مع «القول»، مع إيمان «القلب» وتصديقه.

ومن صفات المتقين أنهم ينفقون أموال «الصدقة» في «سبيل الله»، كما قال تعالى في أول سورة البقرة:

* «الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ … أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»
ووصفهم الله أيضا بـ «المُحْسِنِين»، فقال تعالى في سورة لقمان:

«الم . تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ . هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ … أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ»

وهنا علينا أن نتدبر ونلاحظ العلاقة بين سياق آيات السورتين.

لقد جاءت الآية الثانية بيانًا للآية الأولى، حيث بيّنت أن المقصود بالإنفاق في قوله تعالى «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»، هو «الزكاة» في قوله تعالي: «وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ».

إذن فـ «الصدقة» من «الزكاة»، مع اختلاف «الاسم» واتفاق «المسمى» وهو المال المنفق.

٤- إن كل ما ينفق «في سبيل الله» يعتبر تزكية للنفس، و«التزكية» نماء وزيادة، وهذا ما بيّنه قوله تعالى:

* «مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

* «كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ»

* «فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ»

* «وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»

إن «الزكاة» التي جعلت نفس المتصدق تزكو «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا» هي التي جعلت ماله أيضًا «يزكو» عند الله:

«وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ»

٥- ولقد جاءت كلمة «الزكاة» بالمفهوم العام معرفة بأل التعريف، باستثناء آيتين انحصرا معناهما في «طهارة النفس وصلاحها» وهما:

أ- قوله تعالى في سورة الكهف «الآية ٨١»:

* «فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً»

ب- وقوله تعالى في سورة مريم «الآية ١٣»:

* «وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً»

وللموضوع بقية.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى