نحو إسلام الرسول

(1002) 2/1/2018 القواصم والعواصم «3»

يبدأ الطريق «نحو إسلام الرسول» بالإقرار والتصديق والإيمان بـ «الآية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، المعاصرة للناس جميعا اليوم، وهي «الآية العقلية القرآنية».

واليوم، يخبرنا الله تعالى أن هذه «الآية القرآنية» قد نزلت على رسوله محمد، بطريقة من طرق كلامه عز وجل مع أنبيائه، وهي «الوحي القرآني».

وهذه «الآية القرآنية» قد حملت نصوصها أحكامًا مجملة لم يُبيّن الله كيفية أدائها بـ «وحي قرآني».

إذن، فكيف تعلم «الذين آمنوا» في عصر الرسالة كيفية أداء ما أجمله القرآن من أحكام، وهل الكيفيّات التي تعلّموها هي نفسها التي يؤدّيها المسلمون اليوم؟!

خامسًا:

# القاصمة «٥»:

يقول الذين يُلحدون في آيات الله:

إن «الصلاة» التي يؤديها المسلمون اليوم، من كيفية أداء، وعدد الركعات..، ليست وحيًا من الله، وإنما هي من اختراع أئمة السلف بهدف إضلال المسلمين عن صراط ربهم المستقيم.

أما معنى «الوحي» فهو «إلهام داخلي»، وهو ما يُسمى بـ «حديث النفس»، وبالنسبة للنبي محمد، فقد كان «الوحي» يتم عن طريق «الملك»، «يوحي» إلى النبي بما شاء الله أن يبلغه له.

# العاصمة «٥»:

إنهم يقصمون ظهورهم بقاصمة «الجهل»، وبأيديهم!!

فها هم ينقلون من كتب التراث نقل «الببغاوات»، فلم يلاحظوا أن مسألة «الإلهام» ليست حجة في دين الله، لأن حجيتها تقوم بقرائن أخرى لا تنفصل عنها، وإلا دخلنا دائرة المتصوفة «الدراويش» الذين يقيمون حياتهم على الكشف والإلهام!!

فمن أين جاؤوا بأن «الوحي» في السياق القرآني معناه هذا المصطلح السلفي: «الإلهام الداخلي»؟!

شيء غريب وعجيب، إنهم يكفرون بالسلف وبتراثهم، وبمراجع «اللغة العربية»، ثم يستخدمون مصطلحاتهم دون أن يلتفت المتابعون لهم بغير علم إلى هذه المصيبة العقدية!!

١- إن عدد مرات ورود كلمة «وحي» في السياق القرآني «٧٧ مرة» من خلال البحث باستخدام الجذر، ولم يرد في مرة واحدة منها بيان لكيفية هذا «الوحي»، ولا أنه «إلهام داخلي».

بل ولقد جاء فعل «أوحى» متعديا:

– بـ «إلى»: «أَوْحَيْتُ إِلَى» – «أُوحِيَ إِلَيَّ»

– بـ «إليك»: «نُوحِيهِ إِلَيْكَ» – «أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ»

– بـ «إليهم»: «نُوحِي إِلَيْهِمْ»

باستثناء:

«لِمَا يُوحَى» – «وَوَحْيِنَا» – «وَحْيُهُ» – «بِالْوَحْيِ» – «وَأَوْحَى فِي» – «وَحْياً» – «وَحْيٌ يُوحَى» – «مَا أَوْحَى» – «أَوْحَى لَهَا»

ولا يوجد في سياقات هذه الأفعال ما يُبيّن ماهية هذا «الوحي»، لأن كلمات القرآن نزلت على قوم يعلمون معناها من قبل نزولها، وإلا كيف يخاطبهم الله بكلمات لا يعرفون معناها أو «مُسمّياتها»؟!

ولقد حفظ الله هذه المعاني في مراجع «اللغة العربية» التي دُوّنت بعد عقود من وفاة النبي، حتى لا يكون هناك عذر لأحد في عدم فهم كلمات القرآن.

وهذا ما جعل أصحاب بدعة «القرآن وكفى» يذهبون إلى التراث الديني، وإلى مراجع اللغة العربية، «التي يكفرون بها»، يأخذون منها ما يُبيّن كلمات القرآن!!

ثم يضحكون على «المساكين» التابعين لهم بغير علم، ويقولون لهم عليكم أن تكفروا بـ «اللغة العربية»!!

ألم أقل لكم إنهم مرضى بفيروس «الهوس الديني»، الذي لا يُمسك إلا بقلوب «الجُهّال»؟!

وهنا تكون «العاصمة ٥» قد قصمت ظهورهم بـ «الضربة القاضية»، ولكن لقوم يعقلون، لقوم يفقهون.

أما أصحاب بدعة «القرآن وكفى»، فسيعطون ظهورهم لكل هذه «العواصم»، وهم ينظرون إليها نظر المغشي عليه من «الجهل»!!

ولذلك فإن ما سأبينه بعد ذلك، ليس لإثبات تهافت إلحادهم في آيات الله، ولا تهافت إنكارهم «هيئة الصلاة»، من قيام وركوع وسجود، فقد حملت هذه الصفحة عشرات «التحديات العلمية» التي ولّوا أمامها الأدبار!!

وإنما سأبينه لقوم يريدون مزيدًا من «العلم»، مزيدًا من الفهم الواعي للمنهجية العلمية التي يقوم عليها «تدبر القرآن» والأدوات المستخدمة في ذلك.

٢- يقول الله تعالى في سورة الشورى «الآية ٥١» عن طرق «كلام الله» مع البشر:

«وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ»

هذه هي القاعدة العامة، أن يكون «الكلام» بطريقة من هذه الطرق، وكلها يسميها الله «وحيًا»، فتدبر: «فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ».

إذن فهناك أكثر من طريقة لكلام الله مع البشر، وكلها تدخل تحت مسمى «الوحي»، ولذلك فحصر معنى «الوحي» في مسألة «الإلهام الداخلي» غير صحيح.

وبرهان ذلك كلمة «وَكَذَلِكَ»، التي وردت في الآية «٥٢»، أي بعد الآية السابقة، وهي قوله تعالى:

* «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا»

* «مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ»

* «وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا»

* «وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»

فعطف كلمة «وَكَذَلِكَ» على الآية التي سبقتها، فيه إشارة إلى طرق الكلام السابق ذكرها، ليكون المعنى وبمثل هذه الطرق «أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ»، أي أن الله خص رسوله محمدًا بأنواع الوحي الثلاثة.

وهذا ما شهدت به آيات الذكر الحكيم، ومن ذلك قوله تعالي في سورة التحريم «الآية ٣»:

* «وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً»

لقد تحدث النبي مع زوجه في شيء ما كان لها أن تخبر به أحدًا، فذهبت وأفشت موضوع هذا الحديث:

* «فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ»

وكل هذا يحدث دون بيان القرآن لتفاصيل هذه القصة، فإذا بالنبي يخبر زوجه ببعض ما أطلعه الله عليه مما فعلته، وليس بكل ما أطلعه الله عليه:

* «عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ»

وطبعا ما كان للنبي أن يعلم ما فعلته زوجه لولا أن «أوحى» الله إليه بوحي «غير قرآني»:

* «فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا»

فزوج النبي تسأله عن مصدر معلوماته لأنها لم تر قرآنا نزل بتفاصيل هذه الواقعة، فكان جواب النبي أن مصدره «وحي غير قرآني»:

* «قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ»

والسؤال:

هل هناك مسلم عاقل، يتدبر سياق هذه الآية ويعلم:

– أنها حملت البرهان على وجود وحي غير الوحي القرآني.

– تصديقا لما خصّ الله نبيه محمدا بأنواع «الوحي» الثلاثة.

ثم لا يصلي الصلوات الخمس، ولا يعترف بعدد ركعاتها، ولا بكيفية أدائها، من قيام وركوع وسجود، بدعوى أن الله لم يُبيّن ذلك في القرآن؟!

لقد تركوا الـ «٩٣» آية التي وردت فيها كلمات:

«الصلاة ـ صلاة ـ صل»

دون بيان القرآن لكيفيتها، وذهبوا إلى الآيات التي تتحدث عن:

«التسبيح» و«الخضوع» و«الطاعة»

وقالوا وجدناها:

إن «الصلاة» مجرد أحاسيس قلبية، من تسبيح وخضوع وطاعة لله، وليست هيئة، من قيام وركوع وسجود، لأن هذه الهيئة صلاة الوثنيّين!!

فإذا سألناهم:

وأين «الآية» التي بيّنت هذا المعنى، من الـ «٩٣» آية التي وردت فيها كلمات «الصلاة ـ صلاة ـ صل»؟!

* يولّون الأدبار

وتشهد عشرات المنشورات بأدلتها القرآنية، أنها قصمت ظهور هؤلاء الذين ينكرون هيئة «الصلاة» التي حملتها لجميع المسلمين «منظومة التواصل المعرفي».

بدعوى أن «الوحي القرآني» لم ينزل بهذه الهيئة!!

فماذا نفعل مع قلوب «جاهلة»، مرضت بفيروس «الهوس الديني»؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى