الحوار مع الدكتور موسى شاهين لاشين
الجزء السابع عشر / الفقرة الأولى
الشيخ عبد اللطيف مشتهري: كل ذلك ليس في القرآن أبدا إنما هو السنة، فإذا ألغينا الأحاديث الصحيحة الصريحة المحكمة التي لم تنسخ فكيف نعيش مع القرآن؟ إن القرآن إذن سيكون كدستور غامض لم توجد بجانبه قوانين ولا بنود ولا لوائح ولا مذكرات تفسره، ولا يمكن لأي قاض أن يحكم بدستور أمامه لم يفهم معنى مواده ولا بنوده، إلا إذا صدرت له لوائح وقوانين تفسره. كان صلى الله عليه وسلم هو المذكرة التفسيرية، واللائحة التوضيحية، لما أنزل الله في القرآن. وأخبر الله عن ذلك وقال: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم». فالذي عليه بيان القرآن هو خير الأنام، هو مسك الختام، هو سيد ولد عدنان لا هؤلاء المجرمون، المدَّعون الذين يسيرون على مبدأ خالف تعرف. إنهم فجرة، وأول فجرهم أنهم كفروا بربهم.
الفقرة الثانية
الشيخ عبد اللطيف مشتهري: إنهم فجرة، وأول فجرهم أنهم كفروا بربهم، وكفروا بنبيهم، فحلت دمائهم، وأقسم بالله وأنا فوق المنبر في يوم الجمعة، أفضل أيام الأسبوع، اليوم الذي تستجاب فيه الدعوة، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم يدعو الله فيها إلا استجاب الله له، أقسم بالله في هذا اليوم، أن هذا المجرم الحاكم الفاجر، دمه حلال، وقتله حلال، واغتياله حلال، لأن رسول الله قال: من بدل دينه فقتلوه.
الفقرة الثالثة
الشيخ عبد اللطيف مشتهري: مات محمود خطاب وبقيت مؤلفاته وسنته وهديه، ومات ابنه أمين خطاب، ومات حفيده يوسف خطاب، وللآن المساجد هي المساجد، [والسنة هي السنة]، والبدعة هي البدعة التي نكرهها.
الفقرة الرابعة
محمد السعيد مشتهري: هذه الآيات في سورة النساء، يقول الله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [150] أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً [151]
“إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ”، الكفر هنا جه بإيه؟ جه بالله ورسله، يعني الكفر بالرسل كفر بالله.
“وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ”، بيقولوا إيه؟
“َيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً”، أي يتخذوا بين ذلك مذهبا معينا، حاجة كده في النصف، لهم مذهب معين، زي المذهب إلي طالع بيقولك هو القرآن بس، أهو ده كفر، لأن من كفر بالرسل فقد كفر بالله. إذن الشرط الأساسي للإيمان بالله تعالى الإيمان بالرسل، ولذلك نقول الكتاب والسنة. فالفئة إلي طالعة دلوقتي بين المسلمين تقولك القرآن بس فئة كافرة، لأنها لا تؤمن إن فيه سنة ولا تحكم السنة أبدا، ولذلك لما نيجي نوقفهم عند حدهم ونقوله: طيب هات من القرآن إنك تصلي الصبح اتنين والظهر أربعة؟؟ يقف ميتكلمش!! ومع ذلك برده تجده جاحد ومصر على رأيه، ليه؟ عند!!
ومن هذه الإشكاليات، بل وعلى رأسها، مسألة التكفير، واستباحة الدماء بغير حق، ومساواة الإيمان برسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، بالإيمان بالمرويات المنسوبة إليه، واعتبار هذه المرويات سنته التي يكفر منكرها.
لقد تصور الدكتور موسى شاهين لاشين أنه عندما يستقطع هذا الجزء من حديث الوالد الشيخ عبد اللطيف مشتهري، والخاص برأيه في حجية السنة عام 1978، تصور أن يكون قد جاء بالدليل على أن والدي كان يخالف توجهي الفكري. وها أنا قد أثبت له بالدليل والبرهان الساطع أني كنت وقتها مع الوالد ندافع معا عن ثقافة التخاصم والتكفير، أي كنا أصحاب توجه فكري واحد.
ولكن مع منتصف الثمانينيات، أي بعد سبع سنوات من حديث الوالد الذي استشهد به الدكتور موسى، وأثناء عرضي نتائج الدراسات التي كنت أقوم بها على عدد من العلماء ومنهم الوالد، أحسست يوما عند مناقشته في بعض القضايا بتغير في أسلوبه عما كان عليه من قبل، بل وبدأ يمدني ببعض الكتب، وكان في مقدمتها كتاب الشيخ محمود أبو رية “أضواء على السنة المحمدية”، ويرسلني إلى بعض العلماء لمناقشتهم في بعض مسائل هذه الدراسة، وبدأ يقول لي: إن المسألة يجب أن تعالج بحكمة بالغة، وبصبر جميل، فالقضية أكبر من ذلك بكثير، وأن استمرار بقاءه في منبره الدعوي يمكنه من تصحيح كثيرا من المفاهيم الخاطئة التي أخذها الناس كما هي دون تعقل.
ويقول لي: لقد تبرأ الشيخ محمد أبو زهرة من أن تكون عقوبة الرجم من الشريعة الإسلامية قبل أشهر من وفاته، وتبرأ الشيخ محمد الغزالي قبل وفاته من كثير من الأحاديث المتفق عليها، بعد اطلاعه على فصول من هذه الدراسة. وقد قامت الدنيا ضده ولم تقعد بعد أن دون ذلك في كتابه “السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث”.
ويقول: لقد عاهدت الله أن يكون لقب إمام أهل السنة الذي أحمله وأتحمل مسئوليته أمام الله أعني به في قرارة نفسي ما فهمته مؤخرا من أن السنة النبوية لا تكون مطلقا إلا الأداء العملي لما أجمله القرآن من أحكام العبادات.
ومع هذه الحكمة البالغة التي تحلى بها والدي في مواجهة هذه الفتنة إلا أنه كان في بعض المواقف وعندما تشتد الأزمة يصرح بتضامنه الكلي معي ويعلن بأنني كنت سببا في تغيير كثير من أفكاره ومن هذه المواقف الموثقة ما يلي:
أولا: موقفه من المشروع المبدئي للأصول التي أقمت عليها توجهي الفكري والذي عرضته على فضيلته، وعلى الشيخ محمد الغزالي، والدكتور عبد الله المشد، عام 1986، فأرسل لي خطابا بخط يده يقول فيه:
قرأت هذا البحث الذي لم تزد صفحاته عن سبع وأربعين صفحة حول موضوع: “القرآن وكفى مصدرا للتشريع”، فأعجبت به غاية الإعجاب، لقوة حججه، وإشراق براهينه، وبساطة ألفاظه، وحسن ترتيبه، حتى إنني انتهيت منه في جلستين فحسب، وبخاصة بحث “حول الأحاديث كمصدر تشريع” فقد أجاد وأفاد. ورجائي ألا يتسرع إخواننا العلماء لتكذيب هذا البحث جملة قبل أن يقرءوه مرة ومرة، وأن يتجنبوا اتباع العاطفة، والموروثات، ويكون ردهم ردا علميا هادئا كنفس البحث، لنستطيع والجماهير أن نقف على الصواب والصحيح.
وليس من العقل السليم أن تزعجنا الغيرة المصطنعة على الحديث أو السنة فنرمي صاحب البحث بالكفر أو الزندقة، أو نتهمه بأنه مأجور، أو يعمل لحساب دولة أجنبية أو تابع لمارق. فما بهذا الأسلوب تبحث القضايا أو تستبين الأمور ولكن الحق أن يرد على كل كلمة قيلت فيه بالرد العلمي المجرد.
والله يهدينا إلى سواء السبيل.
توقيع: عبد اللطيف مشتهري إبراهيم، الوكيل العام للدعوة الإسلامية بالأزهر، والرئيس العام للجمعيات الشرعية، مؤرخ في14/2/1406هـ
ثانيا: موقفه عندما وافق على نشر بيان في الصحف القومية في 14/4/1988 يبرئ فيه ساحتي من تهمة إنكار السنة، ويعلن أن الدراسة الخاصة بالسنة والحديث كمصدر ثان للتشريع قد وردت إليه لإبداء الرأي، ولكن نظرا لظروفه الصحية فقد أرسلها إلي لمراجعتها، وبعد أن تم ذلك مني بأمانة اقترح تصوير عدد من النسخ لعرضها على هيئة علماء الجمعية الشرعية وعلماء الأزهر.
وقد أثار هذا البيان غضب كثير من العلماء، وكثير من أتباعه، واعتبروه وقوفا بجانبي، لأنه من غير المتصور أن يكون الشيخ مشتهري، بعد تاريخه الطويل في الدعوة وهو إمام أهل السنة، أن يكون في شك من مسألة حجية السنة حتى يفكر في عرضها على العلماء.