نحو إسلام الرسول

(1864) 14/7/2021 هل الحكمة المنزلة روايات تفترى على رسول الله محمد؟!

لقد وردت الآية «الإسراء / ٤٦»، التي تحدثنا عنها في المقال السابق، وهي قول الله تعالى:
* «وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ – وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً – وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ – وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً»
في سياق يبدأ بقوله تعالى «الإسراء / ٩»:
* «إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ – يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ – وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ – أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً»
مرورا بالوصايا «الإسراء / ٢٢»:
* «لاَ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً»
إلى قول الله تعالى «الإسراء / ٣٨»:
* «كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً»
ثم عقب الله على هذه الوصايا «الأحكام» بقوله تعالى «الإسراء / ٣٩»:
* «ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ»
ثم قال تعالى:
– «وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ – فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً»
وقد بدأت الوصايا بقوله تعالى:
* «لاَ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ – فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً»
إذن فيستحيل أن تكون «الحكمة المنزلة» على رسول الله محمد غير أحكام ووصايا القرآن.
١- لم يقل الله تعالى إن هذه الوصايا «الأحكام» هي «الحكمة المنزلة» وإنما قال إنها «من» الحكمة، و«من» تبعيضية، أي أن ما ذكره سياق سورة الإسراء ليس كل الوصايا «الأحكام» واجبة الاتباع فهناك الكثير في سور أخرى.
٢- يقول الله تعالى «النساء / ١١٣»:
* «… وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ (وَالْحِكْمَةَ) – وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ – وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا»
– ويقول الله تعالى «الأحزاب / ٣٤»:
* «وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ – مِنْ آيَاتِ اللَّهِ (وَالْحِكْمَةِ) – إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا»
إن عطف «الحكمة» على «الكتاب» في «النساء / ١١٣»، وعلى «الآيات» في «الأحزاب / ٣٤» هو ما يُعرف بعطف الخاص الذي هو الوصايا «الأحكام» على العام الذي هو «الكتاب».
ولقد دعا إبراهيم، عليه السلام، ربه فقال:
* «رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ – يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ – وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَ(الْحِكْمَةَ)…»
وطبعا يستحيل أن يقصد إبراهيم بـ «الحكمة» التي يعلمها رسول الله محمد قومه، «المصدر التشريعي الثاني»، الذي وسمه أئمة الفرق المختلفة باسم «السُنّة النبوية» ودوّنه المحدثون بعد وفاة النبي بقرن ونصف قرن من الزمن على أقل تقدير، هل هذا يُعقل؟!
٣- إن «التفرق في الدين» مصيبة إيمانية كبرى، و«المذهبية» غشاوة على القلوب تمنعها من التفكر والتعقل والتدبر، و«الفرقة الناجية» مفتاح دخول جهنم … ووراء كل هذا «إبليس» وجنوده.
لقد جعل «إبليس» أئمة كل فرقة يؤمنون بأن مرويات الرواة التي دونت بعد وفاة النبي «وحي يوحى»، وأن دين الإسلام «كتاب وسُنّة»، وأن «السُنّة» هي المبينة للقرآن والحاكمة على فهم أحكامه:
والمصيبة العقدية الكبرى في أن هذه «السُنّة» يستحيل نسبة مروياتها إلى رسول الله إلا بعد أن تمر على ميزان الجرح والتعديل، ومرشحات التصحيح والتضعيف، ثم يتخذ المحدثون بعد ذلك قرارهم في هل الرسول قال أم لم يقل؟!
٤- إن رسول الله محمد، عليه السلام، لم يعرف هو والذين آمنوا معه غير دينًا واحدًا وإسلامًا واحدًا وأمةً واحدةً يتفاعل أفرادها معه بالسمع والطاعة والتأييد والنصرة.
ولقد توفي رسول الله محمد ولم يترك للناس غير القرآن، ولم تعرف الخلافة الراشدة غير القرآن، ثم حدثت الفتن الكبرى، وتفرق المسلمون، ولعب «إبليس» بقلوبهم ببدعة «الفرقة الناجية»، وبتحريف الوصايا «الأحكام» القرآنية لخدمة التوجه المذهبي لكل فرقة.
والسؤال:
لماذا لا يعلن أئمة وعلماء كل فرقة على منابر الدعوة، متى نشأت الفرقة، ومن هم أئمتها، وما هو موقفها العقدي من الفرق الأخرى؟!
لماذا لا يتحدث أئمة وعلماء كل فرقة باسم فرقتهم، وليس باسم «الأمة الإسلامية»، مع بيان على أي أساس شرعي جعلوا «المرويات» التي صحت عند الأئمة «وحيًا يوحى» وهي ١٠٠٪ صناعة بشرية؟!
وهل يعقل أن تتساوى حجية «الآيات» قطعية الثبوت عن الله تعالى وليس عن رسوله محمد، مع «الروايات» ظنية الثبوت عن المحدثين أنفسهم، وليس عن الرواة، ولا عن رسول الله؟!
٥- إن من الوصايا «الأحكام – الحكمة» التي وردت في سياق سورة الإسراء، قول الله تعالى «الإسراء / ٣٦»:
* «وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ – إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ – كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً»
والقفو: الاتباع، والله تعالى يُحرم الاتباع بغير علم، فهل يحرم اتباع الفرق الإسلامية التي جعلت مرويات الرواة هي «الحكمة المنزلة» بدعوى أنها «السُنّة النبوية»؟!
والجواب: نعم يحرم اتباع الفرق الإسلامية، ليس فقط لأنها تعتبر «مرويات الرواة» مصدرًا تشريعيًا، وإنما وهو الأهم بسبب معصيتها ربها في أمر التحذير من «التفرق في الدين».
محمد السعيد مشتهري
أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى